Saturday, October 31, 2020

تحليل ونقد للنص الذي كتبته الشاعرة شادية الشافعي ، بقلم علي محمد العبيدي




تحليل ونقد للنص الذي كتبته الشاعرة شادية الشافعي  بقلم علي محمد العبيدي

************************************************

مساء شتوي

يُقلب الفوضى في قهوتي

يزج بأبخرة أختناقٍ

في رئة الوجود..

تنهيدة تلو غصة

يجتاح الشتاء تفاصيلي

يجبرني أن أتطفل على ندوبي

يعول ملامحي و يقتات من عزلتي

الليل محض انطفاء ..

يحنث بأحلامي

و يضطهدني رعشة ً رعشة..

يا له من شتاء

لا يرحل بك إلى نهاية

و يسلب منك الخيارات

يرفع سقف الانهزام

و يأخذك لنزهة خذلان

يشبه خوف الأطفال

الذين لن يكبر وطن في ضحكاتهم

يشبه ظمأ الصحاري

اللواتي تبرأ من حكاياتها الندى

واستهلك أنفاسها السراب..

شتاء في متناول التشظي

يتسع لظلالك المشردة

تحت وطأة النقم

بتناقصاتٍ حميمة

يورطك بحشدٍ غفير من الفراغ

و يبقيك نهر وحشة

بين ضفتي يتم

***********************************************

هذا النص البديع والمؤثر، والذي مطلعه مع مساء شتوي ، وللشتاء لغة لايفهم كنهها إلا الشعراء ممن يمتلكون حساً مرهفا ، ولهم نظرة رومانسية يكتنفها حزن عميق يكون الشاعر فيها كأنه نسمة رقيقة تمر على الوجوه والكائنات فتعطيها نظارة وجمالا.

لم يكن ذلك المساء هادئا إنما كانت له جلببة في اختراق فنجان قهوتها الذي تجتاحه الفوضى قبيل أن يحل عليه ذلك المساء البارد ، ولكن يبقى الصوت خافتا والفوضى خفية في هذا الموقف ، لأنه لا يلبث أن يغادرها بعد برهة من الزمن .

ثم ينطلق من هناك ليزج بقوته العنيفة أبخرة خانقة تضيّق على الوجود صدره وتمنع رئته من التمدد في عالمها الواسع الرحب ، فيستنزف كل طاقتها الكامنة في ينابيع الامل وقواها الخفية الحالمة بقدوم بهجة الربيع .

ثم تنتابها غصة ليس كغصة من يَشرق فيما يعترض حَلقه من طعام أو شراب ، لا إنها غصة الألم والهم والحزن التي يتجرعها فلا الرقاد يطيب ولا العبرة تُقلع ، ولا العيش يهنأ .

تأتي بعد ذلك تنهيدة تخيم على عالمها لياخذ قسطا من الراحة ويملأ صدر وجوده بنسمات الهواء المنعشة ، لكنها سرعان ما تكتشف أن الشتاء اجتاح كل تفاصيلها الظاهرة المرئية والغائبة عن العيان .

يستحوذ على كل محتوياتها ويسلب منها حتى خزين آمالها لقابل الأيام ويتركها تقتات على الندوب التي تركتها متغيرات الزمن على جسدها وتعتاش على ما أبقى لها من ذكريات وأحلام .

ولم يكتفي بكل ما فعل وبَدَل ، ليعود ثانية عائلا ملامح وجهها الذي تعلوه إشراقة الأمل المتجدد منتهكا بذلك عزلتها وسكونها ومتجاوزا حدود عالمها ويقتات على كل ما في جعبتها من رسائل تذكرها بأيامها الخالية والكلمات اللطيفة التي طرقت مسامعها كأنها لحن قادم من أطراف الطبيعة أو تغريد طائر في فجر سعيد .

ويمضي الليل مظلما دون بصيص نور أو أي ضؤء حتى النجوم والكواكب أبت السهر معها ورفضت أن تمدها بشئ من نورها ، وقد حنث جميع من رافق الليل وزاغ عن الحق ومال إلى الباطل والكذب حتى على أحلامها

يا له من شتاء قاسٍ يضطهدها ويسلبها إرادتها ويسلب منها كل خياراتها ويستحوذ على كل فكرة تساعدها على الانفكاك والتخلص منه ، واضعا إياها في حالة متأرجحة من الخوف بحيث أنها لا تفكر إلا في خيارات الهزيمة

كأنها طفل برئ يرتعد فرقا لا يعرف للخلاص طريقاً ، ولا تكبر لهم في الأرض ضحكة تُزهر بها الطبيعة وتدوم بها الحياة .

إنه كظمأ رمال الصحراء الشديد الهاجعة تحت وطأة حر الشمس المحرقة

التي لا تعرف اسم الندى ولم يتطرق الى مسامعها ، ولا تفكر أن تهتك سر السراب وتكتشف حقيقته لكي تعدل عن الجري نحوه وهي تلفظ أنفاسها الاخيرة .

ويتسع في مداه تاركا هذه الظلال المتشردة تتمطى في فراغ واسع من الأذى تطارح الضيم وتكابد التعب تحت جمر المعاناة التي لا تنتهي ، ليجد نفسه على ضفة نهر موحشة تعتريه حالة من اليتم والانكسار.

لقد أجادت الشاعرة التعبير في هذا النص البديع ، وأعطت صورا لجوانب الحياة المختلفة باسلوب خفي وتورية متقنة ، وأعلنت عن حالة معاناة ومجابهة ظروف قد تكون أكثر من صعبة في كثير من الأحيان ، وفي أماكن متعددة من النص أعطت لكل موقف فكرة قد تكون مرتبطة أو غير مرتبطة مع الحالات المتعددة التي وردت في النص ، لكنها نجحت في ترتيب أفكارها وتسلسل المواقف بالرغم من صعوبة هذا النوع من النصوص التي أقحمت نفسها فيه ، قدرة الشاعرة على تخيل ومعايشة أي موقف أو اي حدث أرادت أن تعبر عنه أو ترسل من خلاله رسالة إلى المتلقي جعل منها شاعرة متمكنة تتمكن بطريقتها السلسة من التسلل الى أفكار وقلوب متلقيها .

وكان أسلوب الوصف والتصوير الفني في غاية الروعة والابداع .

صياغة الجمل :

(يجتاح الشتاء تفاصيلي)

(يجبرني أن أتطفل على ندوبي)

(يعول ملامحي و يقتات من عزلتي)

(يشبه ظمأ الصحاري ، اللواتي تبرأ من حكاياتها الندى)


كانت في غاية الاتقان والروعة وقد رسمتها باسلوب يشدك الى فكر الشاعرة ويظهر مقدرتها على معالجة المواقف المختلفة ودقة تعبيرها عن الحالات التي تتعامل معها.

استخدامها الاساليب البلاغية الجميلة اعطت النص روعة وجمالا متميزين ولا يسعني إلا ان أقول إبداع وتألق





 

No comments:

Post a Comment

هل الأسلوب هو البديل

  هل الأسلوب هو البديل ************************************************ لا يمكن للأسلوب ومفاهيمه أن يكون بديلاً للبلاغة . كل علم من علوم الل...