Monday, June 7, 2021

ضجيع الشطرين بقلم علي محمد آل عسكر العبيدي




ضجيع الشطرين

بقلم علي محمد آل عسكر العبيدي


شاعر عراقي بابلي وجوهرة من جواهر اللأدب والشعر في مدينة الحلة الحبيبة الولادة للشعراء والأدباء والكُّتاب ، إنه الشاعر حسين عوفي البابلي .

هذا الشاعر يعيش حالة تواصلية بين اللفظ والكلمة من جهة وبين الكلمة والمعنى من جهة أخرى وهذه بدورها مرتبطة بعلاقة تناغم موسيقية مع اللفظ  من جانب وعلاقة الأثنين مع عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي من جانب آخر .

فهو يرسم خارطة بناءه الشعري بناءاً متميزاً وبعقلية وفكر منفتح على ميدان الكلمات ومرادفاتها مع دقته في اختيار معاني هذه المرادفات ووضع كل واحدة في مكانها الصحيح وفق ما يتطلبه الموقف الذي يتعامل معه ، مع صياغة الجمل وبطريقة متناسقة تنم عن إمكانية وخبرة عميقة في تطويع الألفاظ (وكما قالت العرب: إن اللفظ الفصيح هو الظاهر الواضح) لكي تناسب ما يريد الشاعر من الوصول اليه مستعينا بالبلاغة المليحة التي تطرب لها الأسماع ونحو صحيح المنبع وصرف فصيح المستقى. 

كيف لا وهو الذي ينام ليله متوسطا بين شطري البيت الشعري ويستيقظ على أنغام تفعيلات الخليل ويرشف قدح الصباح من زلال بحور الشعر وأنمارها .

لذلك ترى شعره موزون بدقة الصانع الحاذق وفق ايقاع يطرب السامع لاستقامته وسهولته في مخارج الألفاظ وانتظام أجزائه وحسن سبكها فاذا كان الشعر هذا وصفه وشاعر هذا ديدنه كيف لا ينظم شعرا يبهر القارئ ويطرب السامع .

ولكن اذا ما أنعمنا النظر في مسالكه الوعرة وكيف يتقن ويتفنن في نظمه للبيت الشعري وكيف يستخدم ويوظف وسائله في ضبط الإيقاع على ما يتفق وميزان البحر الذي يختار ستجده يتخير من الكلمات أسهلها وأعذبها لفظا وأجزلها معنى ويضعها بما يتفق وصياغة الشطر الذي يكتبه مع وضعه مدلول اللفظ بعين الأعتبار لأنه يدل على وضوح المعنى الموضوع له اللفظ  مع تركيزه على الجانب البلاغي وضبطه إيجازاً أو إطناباً بما يتفق مع الغرض الذي يكتب فيه فتراه يتعامل مع الاشتقاق والمجاز والكناية والتركيب بكل برعة واقتدارمستخدما الإسلوب التأويلي واضعاً القرائن بما يتناسب ووضع المجاز الذي يريد من خلاله الوصول الى غايته .    

مع الإنتباه الى الدلالات الزمانية والمكانية التي صاغها بما يتفق مع صياغة النحو العربي المبني على الحقيقة والمنطق وتوظيف الاشتقاق وفق ربط الحدث الواقع بالذات (الزمان والمكان)ومن خلال رسمه للصور الذهنية التي تعبر عن حقيقة الأعلام والشخوص (التي لا يلزم منها الزمان الخارج عن معناه) على وجه التدقيق والتحقيق بما يتوافق مع سياق الإستعارات التي سار عليها أسلافنا بعيداً عن الخلط والإضطراب الغير مألوف.

وما قدمناه ما هو إلا شذرات قليلة ودرر متناثره في رياض إبداع هذا الشاعر الذي   يتحفنا ببديع شعره وجميل قصائده باستمرار. 

واليك أمثلة من شعره توكد على صحة ما قدمناه عن هذا الشاعر الرائع والمتفرد في صنعة الشعر البارع في نظمه والذي يجهد نفسه ويعمل فكره ويدون ببصيرة الحكيم وذكاء الباحث البارع  وصنعة الصائغ الماهر من أجل الثقافة وتطور المجتمع ورقيه ولا ينتظر مقابل أو مكافأة لما يقدم من نتاج وابداع 

مع تحياتي وتقديري


مَتَی في رافِديكَ 


بِقلم/حسين عوفي


كَمِثْلِ الطَّيرِ حائِمةً تَرِفُّ...


                           وحَولَ العُشِّ رَقْطَاءٌ تَلِفّ


أطَالِعُ طَيْفَهُ بَيْنَ المَنَافِي...


                           وَفِي الأَجْفانِ لِلْأَحْشَاءِ نَزْفُ


وأَجْهَشُ عَبرةً إِذْ يَحْتَوينِي....


                             حَنِيْنٌ مَابَكاهُ الدَّهرَ إِلْفُ


عَلَی وَطَنٍ يُدَاعِبُنِي صَدَاهُ....


                               فَيُرْجِعُنِي إِلَيهِ فَتَیً أُزَفُّ


وتَحضُنُنِي النَّخيلُ كَقَلبِ أُمٍّ...


                            بِشَوقٍ مَالَهُ بِالوَجْدِ وَصْفُ


أَشُمُّ تُرَابَهُ عَبَقَاً طَهُورَاً.


                           فَيَثْمَلُ مِنْ فَتِيقِ المِسْكِ أَنْفُ


ويَجْري فِي العُروقِ لِرَافِدَيهِ..


                             نَدیً ولِأَعْمَقِ الخَلَجاتِ يَهْفُو


فَتأخُذُنِي رُؤايَ إلَی المَغَاني....


                              كنورَسَةٍ عَلی الشطَّينِ تغفو


أَلَا ياأَيُّهَا المَبْثُوثُ فِينَا....


                           مَتَی بالإرتواءِ العَذْبِ تَصْفو؟؟


مَتی تَشْدو الجُمُوعُ مِنَ الأَمانِي


                          ويُورِقُ في حُقولِ الحُبِّ قَطْفُ؟


مَتَی تَرتَاحُ خَاصِرَةُ الثُّكالَی...


                            ويَغْمِدَ خِنْجَرَ الإرهابِ لُطْفُ؟


وَيخْفِقَ للطَوائِفِ بائتِلافٍ...


                           وغَيرُ (الله أكبرُ)لايَرِفُّ؟؟


ونَبني مَوطِنَاً حُرّاً مُصَانَاً...


                          ونَغْمَةُ(موطِني)لِلْعَزمِ عَزْفُ


ونَمسحَ مِنْ أَسی (بَغدادَ)دَمعاً...


                         ولَا يُزْرِي بِقَطْعِ الوعْدِ خِلْفُ


وَيَجْمَعُنَا عِراقٌ لايُضَاهَی...


                            وذِي أَطيافُهُ صِدْقَاً تُصفُّ


عَلی البَأساءِ هَلْ إِنّا جُبِلنَا؟؟


                         وهَلْ عَدلٌ علی البَغضَاءِ نَسْفوا؟


وهَلْ هَاماتُنَا وُشِمَتْ بِقَهْرٍ....


                         وفي أَنْحائِنَا ذَبْحٌ ونَسْفُ؟؟؟


أَلَا يَارَبَّنَا فِيمَ ابْتُلِينَا.....


                       وجُلَّ صُدُورِنا لَطْمٌ وطَفُّ؟


تُسَاقُ بَناتُنَا هَلَعَاً سَبَايَا....


                         ويَجْلِدُنَا أَسیً لِصٌّ وجِلفُ


لِأَنَّا لانُرِيدُ سِوی أَمَانٍ...


                        يُشِيدُ عِمَادُهُ خُلُقٌ وعُرْفُ؟


فَحَتَّامَ العَنَا يَمْتَدُّ طُولاً...


                        وعَرْضاً والرؤی الحَمْقاءَ تَقْفو؟


كَفَی يارَبَّنا مِمَّا نُعَانِي....


                         وخَيرُ عِراَقِنَا مالايَجِفُّ


أَلَا تُزْجَی لِمِحْنَتِنَا حُلُولٌ؟


                          فَلَيسَ سِواكَ يا ربَّاهُ لُطْفُ


وقال ايضا:


غَرْبُ الدموعِ بِشأنِها مَوصُــــولُ

والجفنُ مِنْ رَمَدِ الجوى مكحولُ

لَمّا أَلَمَّتْ بِالبلايا هَالـــــــــــــــني

أنَّ التَّصَبُّرَ عاجِزٌ وذَلــــــــــــــيلُ

كُفَّ العِتابَ فِإنَّ دَهرُكَ هــــــازِلٌ

فالحبلُ في عُنقِ الورى موصولُ

طالتْ وإنْ قَصُرَتْ تشاكَلَ قَيحُها

دُنيا يَعِزُّ بِبَطشِها التَحصِــــــــــيلُ

أُنظُرْ إلى الأمواتِ كيفَ تسربلوا

يكفيكَ مِنْ شَرِّ الوباءِ دَليـــــــــلُ

أنا لاأذِمُّ الدَهرَ أعرِفُ طَــــــــبعَهُ

في كُلِّ حينٍ بالجنوحِ يمــــــــيلُ

فاقعُدْ بِبَيتِكَ وانتظرْ كيفَ القَضا

سَيّانَ رَفضٌ عِنــــــــــــدَهُ وقَبُولُ



 

No comments:

Post a Comment

هل الأسلوب هو البديل

  هل الأسلوب هو البديل ************************************************ لا يمكن للأسلوب ومفاهيمه أن يكون بديلاً للبلاغة . كل علم من علوم الل...