البحتري
وَجَدتُ وَعدَكَ زوراً في مُزَوَّرَةٍ
وَصَفتَ مُبتَدِئً بِالحِذقِ طاهيها
فَلا شَفى اللَهُ مَن يَرجو الشَفاءَ بِها
وَلا عَلَت كَفُّ مُلقٍ كَفُّهُ فيها
فَاِحبِس رَسولَكَ عَنّي أَن يَجيءَ بِها
فَقَد حَبَستُ رَسولي عَن تَقاضيها
البحتري
زها حديد وظاهرة الابداع المعماري
علي محمد العبيدي
لم تكن زها حديد حدثا عابراً أو ذكرى تمر على الأسماع مرور الكرام .
عندما نتكلم عن زها حديد نتكلم بفخر واعتزاز عن شخصية عالمة ومهندسة مبدعة ومبتكرة لطرق جديدة وأنماط حديثة وبأساليب علمية وفنية مدروسة في الهندسة المعمارية معتمدة في ذلك على دراستها الأكاديمية وخبرتها ، ويفوق كل ذلك موهبتها في الابتكار والتجديد وتقديم انجازات غير مسبوقة في مجالها العلمي والمهني . وقد وصفت بأنها واحدة من أكثر المهندسين المعماريين ابتكارا في العالم لما تميزت به من الابداع في تصاميمها التي تفردت بها .
زُها محمد حسين حديد اللهيبي، المعروفة أيضاً باسم زُها حديد هي معمارية عراقية بريطانية، وُلدت في بغداد يوم 31 أكتوبر 1950 وترعرعت فيها حيث قضت طفولتها وصباها وجزءاً من شبابها فيها والدها محمد حديد، كان أحد قادة الحزب الوطني الديمقراطي العراقي والوزير الأسبق للمالية العراقية بين عامي 1958-1960م. وظلت زها تدرس في مدارس بغداد حتى انتهائها من دراستها الثانوية، وقد ذكرت زها حديد إلى أنها قد نالت تربية وثقافة متميزة مواكبة للتطور الثقافي في العراق، اكتسبتها من تربية والديها لها ولدعمهما غير المحدود، وأنهما كانا مصدر الثقافة العصرية لها. إضافة إلى أن حماسهما وتشجيعهما هو ما أيقظ في نفسها النشاط والمثابرة وجعلها انسانة طموحة ومنحها ثقة عالية في نفسها.
وحصلت على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية في بيروت 1971، ولها شهرة واسعة في الأوساط المعمارية الغربية، وحاصلة على وسام التقدير من الملكة البريطانية.
وتعتبر أحد رواد العمارة التفكيكية في العالم.
تخرجت عام 1977 من الجمعية المعمارية بلندن، وعملت كمعيدة في كلية العمارة 1987، وعملت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في دول أوروبا وبأمريكا منها هارفرد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل. وعندما سئلت عن أي نصب تذكاري بغدادي تفضل أن يكون "رمزا إعلاميا لبغداد" لم تتردد إنها ترى نصب "كهرمانة" الأفضل لأنه يرمز لعصر الرشيد الذهبي لبغداد وقصص ألف لية وليلة وهذا دليل على ارتباط الروح الانسانية المسالمة التي تحب الحضارة وتتمسك بالتراث مع مواكبة التطور والتجديد في كل شئ ، كما ويمثل حلماً جميلا لان تعود بغداد الى سابق عهدها من الرخاء والرقي في المعارف والعلوم.
نالت العديد من الجوائز الرفيعة والميداليات والألقاب الشرفية في فنون العمارة، وكانت من أوائل النساء اللواتي حصلن على جائزة بريتزكر في الهندسة المعمارية عام 2004، وهي تعادل في قيمتها جائزة نوبل في الهندسة؛ وجائزة ستيرلينج في مناسبتين؛ وحازت وسام الإمبراطورية البريطانية والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012. وحازت على الميدالية الذهبية الملكية ضمن جائزة ريبا للفنون الهندسية عام 2016، لتصبح أول امرأة تحظى بها. وقد وصفَت بأنها أقوى مُهندسة في العالم، وكانت ترى أن مجال الهندسة المعمارية ليس حكرًا على الرجال فحسب، فقد حققت إنجازات عربية وعالمية، ولم تكتفِ بالتصاميم المعمارية فحسب بل صممت أيضًا الأثاث وصولًا بالأحذية، وحرصت أسماء عالمية مرموقة على التعاون مع حديد، ما جعل منتقديها يطلقون عليها لقب ليدي جاجا بعالم الهندسة، وقد اختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم عام 2010.
وكانت ترى حديد أن تصاميمها تتفاعل مع المدينة وتمنح الناس مكانًا يتواصلون فيه، حيث قالت أن المتابعين لأعمالي يعرفون أن خلق أماكن عامة يمكن للناس استعمالها بحرية، كما تسمح للمدينة بأن تنساب بطريقة سلسة وسهلة. وما ميز هذه التصاميم أنها اتخذت اتجاهًا معماريًا واضحًا يتكئ على خلفية فنية وفلسفية، لذلك فكانت تجنح لما هو تخييلي وتجريدي. وفقًا لتصنيف جينكز لعمارة التفكيك، فإن أعمال زها حديد تقع ضمن الاتجاه البنائي الحديث، وقد ارتبط هذا الاتجاه أيضا بأعمال ريم كولهاس. وتتلخص رؤيتهم في أنها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة وتتمتع بالانسيابية والتفكيك في تحدي الجاذبية الأرضية من خلال الإصرار على الأسقف والكمرات الطائرة، مع التأكيد على ديناميكية التشكيل، حتى أنه أُطلق على أعمال زها حديد اسم التجريد الديناميكي.
معمارية خيالية
أعمال زها حديد يحددها عامل الانسيابية التي تُميز جميع أعمالها.
الخيال والمثالية هو ما يُميز تصميمات زها حديد، والتي يدعي البعض أنها غير قابلة للتنفيذ، حيث أن أبنيتها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة، ويؤكد بعض النقاد أن هذه التصميمات تطغى عليها حالة من الصرامة.
بينما فندت عمليًا المعمارية العراقية اتهامات بعض النقاد بأنها مهندسة قرطاس، أي يصعب تنفيذ تصميماتها، بعد اكتمال تشييد متحف العلوم في فولفسبيوج شمال ألمانيا، الذي اُفتتح في نوفمبر 2005، والذي يؤكد على أن مقولة مهندسة قرطاس ليس إلا إدعاءًا كاذبًا من معماريين يعيشون مع الماضي؛ لأن كل الذي وضعته على شاشة حاسوبها استطاع الآخرون تنفيذه، كما أورد موقع الشرقية.
وقال أحد النقاد عنها: «جميع تصميماتها في حركة سائبة لا تحددها خطوط عمودية أو أفقية، أنها ليست عمارة المرأة؛ فهي فنانة مرهفة، تُقدم ما تشعر به من تأثير التطور التقني والفني في جميع اتجاهاته في عالم أصبح قرية صغيرة.»
وقال الناقد المعماري أندرياس روبي عن إبداعاتها وتصاميمها «أن مشاريع زها حديد تُشبه سفن الفضاء، التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عالٍ ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر، فهي مباني تظهر وكأنها في حركة انسيابية في الفضاء المحيط ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زها إلى مرحلة التنفيذ؛ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تُعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة». كما وصفها شريكها باترك شوماخر بأنها كانت: «صرخة فيما قدمته، منذ عقدين من الزمن، من أعمال في مجالي الرسم أو العمارة.»
لم تقف زها حديد عند كونها معمارية ومهندسة ديكور فقط بل قامت بأعمال مختلفة في عالم الازياء وتعاونت مع دار لوي فيتون لإنتاج حقيبة تحمل العلامة نفسها ، وقد ابتكرت زها حقيبة تشبه الدلو من لدائن البلاستيك الابيض وغطت داخلها بالجلد بلون قرمزي .
وفي عام 2008 تعاونت مع علامة ميليسا البرازيلية وصممت حذاءاً بلاستيكيا يحاكي الهياكل المعمارية .
الوفاة يوم 31 مارس 2016. .
ميامي، فلوريدا، الولايات المتحدة
بسبب نوبة قلبية
مكان الدفن : مقبرة بروكوود
المصادر:
1- موسوعة وكبيديا
2- من هي زها حديد الاستاذة لينا عبد الغني استاذة في مؤسسات الغد الأفضل
3- رسالة جامعية النظم البنائية للعمارة الحديثة كمدخل للأثراء الجمالي للعمل الفني المعدني المجسم ، هاجر رمضان يوسف عبد الحميد ، جامعة الفيوم
4- تحدي الجاذبية في عمارة زها حديد . وجدان ضياء عبد الجليل
5- محددات تأكيد الهوية الثقافية العربية في التصميم المعماري من خلال الاسلوب البنائي الحديث (دراسة تحليلية لاسلوب المهندسة المعمارية زها حديد) هاني خليل الفران
ضجيع الشطرين
بقلم علي محمد آل عسكر العبيدي
شاعر عراقي بابلي وجوهرة من جواهر اللأدب والشعر في مدينة الحلة الحبيبة الولادة للشعراء والأدباء والكُّتاب ، إنه الشاعر حسين عوفي البابلي .
هذا الشاعر يعيش حالة تواصلية بين اللفظ والكلمة من جهة وبين الكلمة والمعنى من جهة أخرى وهذه بدورها مرتبطة بعلاقة تناغم موسيقية مع اللفظ من جانب وعلاقة الأثنين مع عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي من جانب آخر .
فهو يرسم خارطة بناءه الشعري بناءاً متميزاً وبعقلية وفكر منفتح على ميدان الكلمات ومرادفاتها مع دقته في اختيار معاني هذه المرادفات ووضع كل واحدة في مكانها الصحيح وفق ما يتطلبه الموقف الذي يتعامل معه ، مع صياغة الجمل وبطريقة متناسقة تنم عن إمكانية وخبرة عميقة في تطويع الألفاظ (وكما قالت العرب: إن اللفظ الفصيح هو الظاهر الواضح) لكي تناسب ما يريد الشاعر من الوصول اليه مستعينا بالبلاغة المليحة التي تطرب لها الأسماع ونحو صحيح المنبع وصرف فصيح المستقى.
كيف لا وهو الذي ينام ليله متوسطا بين شطري البيت الشعري ويستيقظ على أنغام تفعيلات الخليل ويرشف قدح الصباح من زلال بحور الشعر وأنمارها .
لذلك ترى شعره موزون بدقة الصانع الحاذق وفق ايقاع يطرب السامع لاستقامته وسهولته في مخارج الألفاظ وانتظام أجزائه وحسن سبكها فاذا كان الشعر هذا وصفه وشاعر هذا ديدنه كيف لا ينظم شعرا يبهر القارئ ويطرب السامع .
ولكن اذا ما أنعمنا النظر في مسالكه الوعرة وكيف يتقن ويتفنن في نظمه للبيت الشعري وكيف يستخدم ويوظف وسائله في ضبط الإيقاع على ما يتفق وميزان البحر الذي يختار ستجده يتخير من الكلمات أسهلها وأعذبها لفظا وأجزلها معنى ويضعها بما يتفق وصياغة الشطر الذي يكتبه مع وضعه مدلول اللفظ بعين الأعتبار لأنه يدل على وضوح المعنى الموضوع له اللفظ مع تركيزه على الجانب البلاغي وضبطه إيجازاً أو إطناباً بما يتفق مع الغرض الذي يكتب فيه فتراه يتعامل مع الاشتقاق والمجاز والكناية والتركيب بكل برعة واقتدارمستخدما الإسلوب التأويلي واضعاً القرائن بما يتناسب ووضع المجاز الذي يريد من خلاله الوصول الى غايته .
مع الإنتباه الى الدلالات الزمانية والمكانية التي صاغها بما يتفق مع صياغة النحو العربي المبني على الحقيقة والمنطق وتوظيف الاشتقاق وفق ربط الحدث الواقع بالذات (الزمان والمكان)ومن خلال رسمه للصور الذهنية التي تعبر عن حقيقة الأعلام والشخوص (التي لا يلزم منها الزمان الخارج عن معناه) على وجه التدقيق والتحقيق بما يتوافق مع سياق الإستعارات التي سار عليها أسلافنا بعيداً عن الخلط والإضطراب الغير مألوف.
وما قدمناه ما هو إلا شذرات قليلة ودرر متناثره في رياض إبداع هذا الشاعر الذي يتحفنا ببديع شعره وجميل قصائده باستمرار.
واليك أمثلة من شعره توكد على صحة ما قدمناه عن هذا الشاعر الرائع والمتفرد في صنعة الشعر البارع في نظمه والذي يجهد نفسه ويعمل فكره ويدون ببصيرة الحكيم وذكاء الباحث البارع وصنعة الصائغ الماهر من أجل الثقافة وتطور المجتمع ورقيه ولا ينتظر مقابل أو مكافأة لما يقدم من نتاج وابداع
مع تحياتي وتقديري
مَتَی في رافِديكَ
بِقلم/حسين عوفي
كَمِثْلِ الطَّيرِ حائِمةً تَرِفُّ...
وحَولَ العُشِّ رَقْطَاءٌ تَلِفّ
أطَالِعُ طَيْفَهُ بَيْنَ المَنَافِي...
وَفِي الأَجْفانِ لِلْأَحْشَاءِ نَزْفُ
وأَجْهَشُ عَبرةً إِذْ يَحْتَوينِي....
حَنِيْنٌ مَابَكاهُ الدَّهرَ إِلْفُ
عَلَی وَطَنٍ يُدَاعِبُنِي صَدَاهُ....
فَيُرْجِعُنِي إِلَيهِ فَتَیً أُزَفُّ
وتَحضُنُنِي النَّخيلُ كَقَلبِ أُمٍّ...
بِشَوقٍ مَالَهُ بِالوَجْدِ وَصْفُ
أَشُمُّ تُرَابَهُ عَبَقَاً طَهُورَاً.
فَيَثْمَلُ مِنْ فَتِيقِ المِسْكِ أَنْفُ
ويَجْري فِي العُروقِ لِرَافِدَيهِ..
نَدیً ولِأَعْمَقِ الخَلَجاتِ يَهْفُو
فَتأخُذُنِي رُؤايَ إلَی المَغَاني....
كنورَسَةٍ عَلی الشطَّينِ تغفو
أَلَا ياأَيُّهَا المَبْثُوثُ فِينَا....
مَتَی بالإرتواءِ العَذْبِ تَصْفو؟؟
مَتی تَشْدو الجُمُوعُ مِنَ الأَمانِي
ويُورِقُ في حُقولِ الحُبِّ قَطْفُ؟
مَتَی تَرتَاحُ خَاصِرَةُ الثُّكالَی...
ويَغْمِدَ خِنْجَرَ الإرهابِ لُطْفُ؟
وَيخْفِقَ للطَوائِفِ بائتِلافٍ...
وغَيرُ (الله أكبرُ)لايَرِفُّ؟؟
ونَبني مَوطِنَاً حُرّاً مُصَانَاً...
ونَغْمَةُ(موطِني)لِلْعَزمِ عَزْفُ
ونَمسحَ مِنْ أَسی (بَغدادَ)دَمعاً...
ولَا يُزْرِي بِقَطْعِ الوعْدِ خِلْفُ
وَيَجْمَعُنَا عِراقٌ لايُضَاهَی...
وذِي أَطيافُهُ صِدْقَاً تُصفُّ
عَلی البَأساءِ هَلْ إِنّا جُبِلنَا؟؟
وهَلْ عَدلٌ علی البَغضَاءِ نَسْفوا؟
وهَلْ هَاماتُنَا وُشِمَتْ بِقَهْرٍ....
وفي أَنْحائِنَا ذَبْحٌ ونَسْفُ؟؟؟
أَلَا يَارَبَّنَا فِيمَ ابْتُلِينَا.....
وجُلَّ صُدُورِنا لَطْمٌ وطَفُّ؟
تُسَاقُ بَناتُنَا هَلَعَاً سَبَايَا....
ويَجْلِدُنَا أَسیً لِصٌّ وجِلفُ
لِأَنَّا لانُرِيدُ سِوی أَمَانٍ...
يُشِيدُ عِمَادُهُ خُلُقٌ وعُرْفُ؟
فَحَتَّامَ العَنَا يَمْتَدُّ طُولاً...
وعَرْضاً والرؤی الحَمْقاءَ تَقْفو؟
كَفَی يارَبَّنا مِمَّا نُعَانِي....
وخَيرُ عِراَقِنَا مالايَجِفُّ
أَلَا تُزْجَی لِمِحْنَتِنَا حُلُولٌ؟
فَلَيسَ سِواكَ يا ربَّاهُ لُطْفُ
وقال ايضا:
غَرْبُ الدموعِ بِشأنِها مَوصُــــولُ
والجفنُ مِنْ رَمَدِ الجوى مكحولُ
لَمّا أَلَمَّتْ بِالبلايا هَالـــــــــــــــني
أنَّ التَّصَبُّرَ عاجِزٌ وذَلــــــــــــــيلُ
كُفَّ العِتابَ فِإنَّ دَهرُكَ هــــــازِلٌ
فالحبلُ في عُنقِ الورى موصولُ
طالتْ وإنْ قَصُرَتْ تشاكَلَ قَيحُها
دُنيا يَعِزُّ بِبَطشِها التَحصِــــــــــيلُ
أُنظُرْ إلى الأمواتِ كيفَ تسربلوا
يكفيكَ مِنْ شَرِّ الوباءِ دَليـــــــــلُ
أنا لاأذِمُّ الدَهرَ أعرِفُ طَــــــــبعَهُ
في كُلِّ حينٍ بالجنوحِ يمــــــــيلُ
فاقعُدْ بِبَيتِكَ وانتظرْ كيفَ القَضا
سَيّانَ رَفضٌ عِنــــــــــــدَهُ وقَبُولُ
أثر العادات والتقاليد الاجتماعية في الشعر العربي عبر العصور
علي محمد العبيدي
كاتب وباحث وناقد
المحور الاول:
التنوع الاجتماعي والديني واثره في الشعر قبل الاسلام .
المحور الثاني :
الرسالة الاسلامية ودورها في تطور اتجاهات الشعر العربي .
المحور الثالث :
العصر العباسي وأثر المدنية والانفتاح الثقافي في الشعر العربي
السادة الكرام إدارة وأعضاء منصة أريد للغة العربية وجميع القائمين عليها مع حفظ الألقاب والمقامات
السادة الضيوف الكرام كل بلقبه ومركزه
أحييكم أجمل تحية وأرحب بدعوتكم أجمل ترحيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي هدانا الى الحق بأذنة ، والعمل بكتابه الكريم بفضله ، وتوحيدهِ ربوبيةٍ وألوهيةٍ وأسماءٍ وصفاتٍ كرماً ومنة ، واتباع سنن وآثار المصطفى صلى الله عليه وسلم برحمته ، فقد تركنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك ، ودلنا سبحانه وتعالى على سبل العلم وفتح لنا مغاليق أبوابه نعمة منه وتفضلا
أما بعد
اليوم نتحدث عن موضوع مهم جداً يمس ثقافة وحياة وتقاليد وعادات وأعراف وأخلاق المجتمع العربي عبر عصور وفترات مختلفة من تاريخ هذه الأمة الحافل بكل ما هو أصيل ومتميز وكل ما مر عليها عبر العصور من فترات رخاءٍ وأيام محن وشدائد ، فحمل لنا الشعر العربي مبادئ وصفات وصور المجتمع العربي عبر التاريخ نقلا ورواية وتدويناً . وقد عدلت عن كثير من العادات والتقاليد التي تنزل بالشعر الى مستويات أدنى مما عرف عنه واخترت ما اشتهر منها وأثر في تطور الشعر من خلال المتغيرات التي حدثت على مر العصور.
الأدب هي كلمة تطلق على ما تعارف عليه أهل العلم من ذلك الجمال المعنوي الذي يستودعه الشاعر أو الكاتب ما يؤثر عنهما من المنظوم أو المنثور ، وهو كل كلام مستعذب يلامس الاحاسيس وترق له القلوب وتنشرح له الصدور، ويدخل في معناه حلاوة الطبع ورقة التعبير وسلامة الذوق ولطافة المنطق
قال الشاعر :
أُحبُّ الفتى ينفي الفواحش سمعه *** كأن به عن كلِّ فاحشةٍ وقراً
وقوله :
إذا شئتَ أن تُدعى كريماً مُكرّماً *** أديباً ظريفاً عاقلا ماجداً حرّاً
إذا ما أتتْ منْ صاحبٍ لكَ زلّهٌ *** فكنْ أنتَ مُحتالاً لزلتهِ عذراً
المحور الاول:
التنوع الاجتماعي والديني واثره في الشعر قبل الاسلام .
وتسمى هذه الفترة بالعصر الجاهلي
الجاهلية : ليس الجهل بالعلم والحلم ولا التخلف الثقافي والأخلاقي ، أنما يقصد بها الضلالة والشرك المنافي لتوحيد الله سبحانه وتعالى.
ويمتاز الشعر في هذا العصر بالجزالة وبديع الألفاظ وقوة اللغة والبلاغة ودقة التعبير وجمال الوصف والتصوير
قال السموءَل :
وننكرُ إن شئنا على الناسِ قولهم *** ولا ينكرون القولَ حينَ نقولُ
ومعناه التناهي في العزة والدلالة على هيبة الجانب ، واستطالة الجاه ، وكانت هذه الصفات من العوامل المهمة في حياة الأنسان العربي في حفظ كرامته ومكانته في قومه وعند غيرهم لذلك ظهر تأثيرها واضحا في الشعر العربي
قال النابغة الذبياني مستخدماً اسلوب التشبيه بأجمل صيغهِ:
فَإنَّكَ كالليلِ الذي هو مُدركي *** وإن خلتُ أن المُنتأى عنكَ واسعُ
فبهذه القوة والجزالة والوصف أعطانا الشعر الجاهلي تصورا دقيقاً وكاملا عن حياة تلك الأيام التي خلت .
شهد هذا العصر تنوعاً دينيا وثقافيا في مختلف أرجاء الجزيرة العربية
ومن أهم أديان ومعتقدات العرب قبل الإسلام هي الحنيفية واليهودية والمسيحية وعبادة الأصنام .
الحنيفية
ظهرت الحركة الحنيفية عند العرب قبل الإسلام، خصوصاً بين الذين رفضوا عبادة الأوثان، وسُمي أتباعها بالأحناف أو الحنفاء، نسبة لإبراهيم عليه السلام
وكان لهذا الاتجاه الديني الأثر البالغ في أفكار وتصورات الإنسان عن الحياة والكون ومعرفة الخالق الواحد وظهر هذا الأثر في الشعر العربي .
وقد ذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي في الجزء الثاني من كتاب البداية والنهاية وكتاب السيرة النبوية :
قال قس بن ساعدة الايادي بعد خطبة بليغة يذكر فيها الناس بمعنى الحياة والموت وعجائب المخلوقات :
فى الذاهبينَ الأولينَ مِن القرونِ لنا بَصائر
ورأيتُ قومى نَحوها تَمضى الأكابر والأصاغِرُ
لا يَرجعُ الماضى إلىَّ ولا مِن الباقين غابر
أيقنتُ أنى لا محالةَ حيثُ صارَ القومُ صائر
وهو القائل أيضا:
ذكر القلب من جواه أدكار **** وليال خلالهن نهار
وسجال هواطل من غمام **** ثرن ماء وفي جواهن نار
ضوءها يطمس العيون وأرعاد **** شداد في الخافقين تطار
وقصور مشيدة حوت الخير **** وأخرى خلت بهن قفار
وجبال شوامخ راسيات **** وبحار مياههن غزار
ونجوم تلوح في ظلم الليل **** نراها في كل يوم تدار
ثم شمس يحثها قمر الليل **** وكل متابع موار
وصغير وأشمط وكبير **** كلهم في الصعيد يوما مزار
وكبير مما يقصر عنه **** حدسه الخاطر الذي لا يحار
فالذي قد ذكرت دل على الله **** نفوسا لها هدى واعتبار
ومن أشعار أمية بن أبي الصلت وتعدد الاغراض وأثر المعتقدات والعادات والتقاليد والأعراف في ذلك الوقت قال:
مَجِّدوا اللَهَ فَهوَ لِلمَجدِ أَهلُ *** رَبُّنا في السَماءِ أَمسى كَبيرا
ذَلِكَ المُنشِىءُ الحِجارَةَ *** وَالموتى وَأَحيِاهُمُ وَكانَ قَديرا
الأَعلى الَذي سَبَقَ الناسَ *** وَسَوَّى فَوقَ السَماءِ سَريرا
رَجعاً لا يَنالُهُ بَصَرُ *** الناسِ تَرى دونَهُ المَلائِكُ سورا
وروى صاحب الأغاني أنَّ أمية كان منقطعًا في الجاهلية إلى عبد الله بن جدعان الغالبي، وكان رجلًا صالحًا وسيدًا جوادًا من قريش يصل الرحم ويطعم المسكين، فكان أمية يمتدحه وينال هباته، ومن شعر أمية بن أبي الصلت في صاحبه عبد الله بن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني **** حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع **** لك الحسب المهذب والسناء
خليل لا يغيره صباح **** عن الخلق الجميل ولا مساء
ومن بديع شعره الدال على إيمانه قوله:
إله العالمين وكل أرض **** ورب الراسيات من الجبال
وشق الأرض فانبجست عيونًا **** وأنهارًا من العذب الزلال
ومنها في وصف الجحيم:
وسيق المجرمون وهم عراة **** إلى ذات المقامع والنكال
فنادوا ويلنا ويلًا طويلًا **** وعجوا في سلاسلها الطوال
فليسوا ميتين فيستريحوا **** وكلهم بِحرِّ النار صال
وقال في وصف الجنة:
وحل المتقون بدار صدق **** وعيش ناعم تحت الظلال
لهم ما يشتهون وما تمنوا **** من الأفراح فيها والكمال
ومن شعره في التوحيد والصمدية:
الحمد لله الذي لم يتخذ *** ولداً وقدر خلقه تقديرا
وعنا له وجهي وخلقي كله *** في الخاشعين لوجهه مشكورا
اليهودية
انتشرت اليهودية بين العرب الأقدمين في ملوك حمير، وبني كنانة، وبني الحارث بن كعب، وغسان، كما تهوَّد قوم من الأوس والخزرج، وامتدت الديانه اليهودية إلى يثرب، كما تهوَّد كثيرٌ من عرب الحجاز.
وذُكرت اليهودية في أشعار العرب، ووردت بعض الألفاظ الدالة على أماكن عباداتهم، مثل: المحراب، كما ورد في شعر قيس بن الخطيم "نَمَتْها اليَهُودُ إلى قُبّةٍ.. دوينَ السماء بمحرابها"، كما وردت أسماء كتب اليهودية المقدسة في القرآن مثل الزبور والتوراة والأسفار.
ومن أشهر شعراء العرب المتهودين: السموأل بن عاديا، من قبيلة تيماء، وكعب بن سعد وشريح بن عمران من بني قريظة، ومن ضمن أشعار السموأل التي تؤكد إيمانه بخلق الإنسان من عدم وبعثه بعد الموت.
مَيْتَ دَهْرٍ قد كنتُ ثم حَيِيتُ *** وحياتي رهنٌ بأنْ سأموتُ
وأتاني اليقينُ أني إذا متُّ *** مِتُّ أوْ رَمَّ أعْظُمِي مَبْعُوثُ
المسيحية
كان أول احتكاك للعرب بالمسيحية مع ظهور المسيح مباشرة، في تلك المدن التي عاش فيها وتنقل بينها، مثل الناصرة وبيت لحم والقدس وأريحا وصور وصيدا، فكل هذه المدن كانت تعرف بعض السكان العرب.
ومن بينها العرب القاطنون لشمالي شبه الجزيرة العربية،
كما انتشرت المسيحية في اليمن بعد احتلال الأحباش لها.
وفي قلب بلاد العرب دخلت المسيحية عن طريق المُبشرين والتجار، ومن الأماكن التي تواجدت فيها: دومة الجندل، من قبيلة طيء وكان عدي بن حاتم الطائي نصرانياً قبل أن يدخل الإسلام،
وحفل الشعر الجاهلي ببعض مفاهيم المسيحية الدينية مثل: القضاء والقدر، والثواب والعقاب، والخير والشر، والزهد والعبادة، حيث يقول عدي بن زيد العبادي:
لَيسَ شَيءٌ عَلى المَنونِ بِباقِ *** غَيرُ وَجهِ المُسَبَّحِ الخَلّاقِ.
ويقول زيد بن عمرو بن نفيل:
فلن تكون النفس منك واقية *** يوم الحساب إذا ما يجمع البشر.
الأديان الوضعية
وإلى جانب ديانات الوحي عرف العرب قبل الإسلام ديانات من وضع البشر، مثل:
-المجوسية
-المزدكية
-المانوية
-عبادة الأوثان والأصنام
انتشرت بين العرب في الجاهلية انتشاراً واسعاً، حيث اتخذوا من الأحجار ومنحوتاتها رموزاً لآلهتهم.
-عبادة النجوم
جاء تأليه بعض العرب في الجاهلية للنجوم من احتكاكهم بالشعوب المجاورة التي كانت تؤمن بهذه المعتقدات، وكذلك من حاجتهم العملية لضبط الوقت والاهتداء بالنجوم في أسفارهم، وتحديد الجهات، وبمرور الوقت قاد اهتمامهم بالنجوم إلى تأليهها، فعبدوا الزهرة "وكانوا يسمونه العزى"، كما عبدوا الشمس والقمر.
فقالت أميمة بنت عبد شمس وهي ترثي من قتل من قومها:
أبى ليلك لا يذهب *** ونيط الطرف بالكوكب
ونجم دونه الأهوال *** بين الدلو والعقرب
وقال الشاعر الجاهلي النجدي بشر بن أبي حازم:
أراقب في السماء بنات نعش *** وقد دارت كما عطف السوار
الشجاعة والحرب :
وكان التفاخر بالشجاعة والحرب والدفاع عن القبيلة من أهم الصفات المحمودة عندهم وقد ظهر أثرها واضحا وكثيرا ما تغنى بها الشعراء في مختلف الوقائع
وفي أيام تغلب على بكر يوم الذئاب
قالعدي بن ربيعة التغلبي الملقب الزير أبو ليلى المُهَلهِل قصيدة منها :
هتكتُ به بيوتَ بني عُباد *** وبعضُ القتل أشفى للصدور
على أن ليس عدلا من كليبٍ *** اذا برزت مُخبأَةُ الخدور
لولا الريحُ أثسمعُ من بحَجْرٍ *** صليلَ البَيْض تقرعُ بالذّكور
وكان للمرأة نصيب في مثل هذه المواقف ، لما قتل كليب اجتمع نساء الحي للمأتم فقلن لأخت كليب رحِّلي جليلة عن مأتمنا، فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب ، فقالت لها أخرجي عن مأتمنا فأنت أخت واترنا ، وشقيقة قاتلنا ، ولما رحلت جليلة قالت أخت كليب: رحلة المعتدي وفراق الشامت، ويل غدا لآل مرة من الكرَّة بعد الكرَّة ، فبلغ قولها جليلة فقالت وكيف تشمت الحرَّة بهتك سترها، وترقب وترِها أفلا قالت نُفرةَ الحياء، وخوف الاعتداء
ثم أنشأت تقول ( وهو من أبرع ما قيل في معناه)
يا ابنة الأقوام إن شئت فلا *** تعجلي باللوم حتى تسألي
فإذا أنت تبينتِ الذي *** يوجبُ اللوم فلومي واعذُلي
إن تكن أخت امرئٍ لِيمَتْ على *** شفقٍ منها عليهِ فافعلي
الحكمة:
ومن أثر الحكمة في الشعر الجاهلي
وفي وقعة الهباءة يقول قيس الرأي في فلسفة تنم عن رجاحة العقل وسعة التفكير وتقدير المواقف ، يرثي في قصيدته حذيفة بن بدر الذي كان خصمه يوم داحس والغبراء :
تَعَلَّم أَنَّ خَيرَ الناسِ مَيتٌ *** عَلى جَفرِ الهَباءَةِ لا يَريمُ
لقد فُجعت به قيس جميعاً *** موالي القوم والقومُ الصميمُ
وعم به لمقتلهِ بعيدٌ *** وخصَّ به لمقتله صميمُ
وَلَولا ظُلمُهُ مازِلتُ اَبكي *** عَلَيهِ الدَهرَ ما طَلَعَ النُجومُ
وَلَكِنَّ الفَتى حَمَلَ بنَ بَدرٍ *** بَغى وَالبَغيُ مَرتَعُهُ وَخيمُ
أَظُنُّ الحِلمَ دَلَّ عَلَيَّ قَومي *** وَقَد يُستَجهَلُ الرَجُلُ الحَليمُ
الرثاء :
هو تِعداد خِصال الميت مع التفجّع عليه والتأسّي والتعزّي بما كان يتصف به من صفات حسنة كالكرم والشجاعة والعفة والعدل والعقل ونصرة المظلوم.
وفي قصيدة الرثاء هذه نجد أثر التبعية المطلقة والطاعة العمياء للقبيلة هي السائدة في كل الأمور حتى وإن كان الشخص حكيما ذا رأي ونتبين ذلك من خلال القصيدة الرائعة التي رثى بها دريد بن الصمة أخاه عبد الله الذي قتلته قبيلة غطفان :
أمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ***فلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ
فلمَّا عَصَوْني كنْتُ منهُمْ وقد أرَى ***غِوَايَتَهُمْ وأنَّـني غيرُ مُهتَدِ
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ ***غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ
وإنْ تُعقِبِ الأيامُ والدهرُ تعلمُوا ***بَني قاربٍ أنَّا غِضَابٌ بِمَعْبَدِ
تَنادَوْا فَقالُوا أَرْدَتِ الخَيْلُ فارِسًــا *** فقُلتُ أَعَبْدُ اللهِ ذِلِكمُ الرَّدِي
وإِنْ يَكُ عَبْــــدُ اللهِ خَلَّى مَكَانَـهُ *** فَمَا كَانَ وَقَّافًا ولا طائشَ اليَدِ
ولا برِمًا إذَا الرياحُ تَنَاوَحَـتْ ***بِرَطْبِ العِضَاهِ وَالضَّرِيعِ المُعَضَّدِ
أثر العناصر الملحمية والحماسة والعزة في الشعر الجاهلي:
قال عمرو بن كلثوم في معلقته:
أبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا *** وأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِينا
بِأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً *** ونُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينا
وأَيَّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ *** عَصَيْنا المَلْكَ فِيها أنْ نَدِينا
وسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوهُ ****بِتاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِينا
تَرَكْنا الخَيْلَ عاكِفَةً عَلَيْهِ *** مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفُونا
وأَنْزَلْنا البُيُوتَ بِذي طُلُوحٍ *** إِلَى الشَّاماتِ تَنْفِي المُوعِدِينا
وقَدْ هَرَّتْ كِلابُ الحَيِّ مِنَّا *** وشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يِلِينا
مَتَى نَنْقُلْ إلى قَوْمٍ رَحَانَا *** يَكُونُوا في اللِّقاءِ لَها طَحِينا
أثر الأخلاق الحميدة في احترام المرأة في الشعر الجاهلي
قال عنترة بن شداد في احترام جارته :
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي *** حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ *** لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
وَلَئِن سَأَلتَ بِذاكَ عَبلَةَ خَبَّرَت *** أَن لا أُريدُ مِنَ النِساءِ سِواها
وَأُجيبُها إِمّا دَعَت لِعَظيمَةٍ *** وَأُغيثُها وَأَعِفُّ عَمّا ساها
تعدد الأغراض في القصيدة الواحدة والانتقال من الغزل إلى الوصف، لتشمل مواضيع متعددة مثل الوقوف على الأطلال والتصوير القصصي ووصف الفرس والليل والطبيعة ورحلة الصيد والمغامرات. وهذه العوامل بمجموعها أثرت في الشعر الجاهلي تأثيراً بالغاً وأعطت صورة عن تفاعل الشاعر في محيطه وتأثيره وتأثره فيه ، وخير مثال على ذلك معلقة أمرئ القيس
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ ***بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه *** لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِه *** وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلو *** لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم *** يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ *** فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
الكرم في الجاهلية
قال أحد الحكماء : أصل المحاسن كلها الكرم وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام وجميع خصال الخير من فروعه.
ولقد كانت الشجاعة والكرم من أبرز صفات المجتمع العربي الجاهلي وظهر منهم في كل عصر ومصر أقطاب اشتهرت بالكرم وروى عنهم مواقف عظيمة في الجود والسخاء وكان من أبرزهم وأشهرهم حاتم الطائي الذي كان مضرب المثل فيهم بالكرم.
ومن الأجواد المشاهير في الجاهلية أيضاً عبد الله بن جدعان وكانت له جفنة يأكل منها الراكب على بعيره ووقع فيها صغير فغرق . وذكروا أنه كان يطعم التمر والسويق ويسقى اللبن حتى سمع قـول أميــه بــن أبـــى الصلــت
ولقد رأيت الفاعلين وفعلهــــم *** فرأيت أكرمهم بنـى الديــــان
البر يُلبـك بالشهـاد طعامهــــم *** لا ما يعللنــا بنــو جدعـــان
فأرسل ابن جدعان إلى الشام ألفي بعير تحمل البر والشهد والسمن وجعل منادياً ينادى كل ليله على ظهر الكعبة أن هلموا إلى جفنه ابن جدعان فقال أميه في ذلك
له داع بمكـة مشمعـــــل *** وآخر فـوق كعبتهــا ينـــــادى
إلى روح مـــن الشّيـزَى مـلاء *** لبــــاب البـــر يلبك بالشهاد
والشيز : خشب اسود تتخذ منه القِصَاع .
المرأة في الشعر الجاهلي :
لعبت المرأة دورا كبيرا في ثقافة المجتمع الجاهلي وكان لها دوراً فاعلا في حياة المجتمع الجاهلي وكانت تقف الى جانب الرجل في مختلف المحافل ويبرز دورها واضحاً عندما تقدم في المجالس والمناسبات وتقول الشعر ،وخير مثال على ذلك الخنساء والخرنق أخت طرفة بن العبد لأمه وكان لهاتين الشاعرتين أثرا كبيرا في الشعر العربي وأغراضه
قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:
يا عينُ فِيضي بدَمْعٍ منكِ مِغْزارِ *** وابكي لصخرٍ بدمعٍ منكِ مدرارِ
انّي أرقتُ فبتُّ الَّليلَ ساهرة ً *** كانَّما كحلتْ عيني بعوَّارِ
أرعى النُّجومَ وما كلّفتُ رعيتها *** وتارَة ً أتَغَشّى فضْلَ أطْمارِي
وقَدْ سَمِعْتُ فلمْ أبْهَجْ به خَبراً *** مخبّراً قامَ يَنْمِي رَجْعَ أخبارِ
وقالت الخرنق بنت بدر بن هفان:
لا يَبعَدَن قَومي الَّذينَ هُمُ **** سُمُّ العُداةِ وَآفَةُ الجُزرِ
النازِلونَ بِكُلَّ مُعتَرَكٍ **** وَالطَيَّبونَ مَعاقِدَ الأُزرِ
الضارِبونَ بِحَومَةٍ نَزَلَت **** وَالطاعِنونَ بِأَذرُعٍ شُعرِ
المحور الثاني :
الرسالة الاسلامية ودورها في تطور اتجاهات الشعر العربي .
شهدت هذه الفترة تحولاً فكرياً وثقافياً عظيماً في تاريخ البشرية وليس على نطاق شبه الجزيرة العربية فقط . وبعد مجئ الوحي الى الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن ، الذي غير جميع المفاهيم والمعتقدات التي سادت على أفكار وعقول الناس ولفترات طويلة، فالغى القران الكريم وسنة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام المعتقدات الشركية والولاءات العرقية والنعرات القبيلة والتفاخر بالأنساب والعبودية وجميع الأفكار السلطوية والإحتكام الى كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم ، وشاع مبدأ المساواة بين المرأة والرجل فقد جاء في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير)
وقد تميزت خصائص الشعر في هذه الفترة بتغير المعاني بسبب تأثرها بالقرآن الكريم والحديث الشريف، وابتعد الشعراء عن الغلظة والجفاء لوجود العاطفة الإسلامية الرقيقة مثل الورع والتقوى ومخافة الله سبحانه وتعالى ،فجاء الشعر سلس الألفاظ مفهوم المعنى بعيداً عن التكلف
قال شوقي ضيف:
ودفعتني النصوص الكثيرة في عصر صدر الإسلام الى نقض الفكرة التي شاعت في أوساط الباحثين من عرب ومستشرقين ، إذ ذهبوا يزعمون أن الإسلام انحسر عن أثر ضئيل نحيل في أشعار المخضرمين. وهو زعم يسرف في تجاوز الحق ، فقد أتم الله على هؤلاء الشعراء نعمة الإسلام ، وانتظم كثيرون منهم في صفوف المجاهدين في سبيل الله داخل الجزيرة العربية وفي الفتوح . وهم في ذلك كله يستلهمون الإسلام، ويعيشون له، ويعيشون به، يريدون أن ينشروا نوره في أطباق الأرض، وقد مضوا يصدرون عنه في أشعارهم صدور الشّذى عن الأزهار الأرجة. وبالمثل صدروا عنه في نثرهم. فإذا هم يستحدثون فنوناً من النثر وينشئونها إنشاء. إذ أنشأوا على هدي القرآن الكريم آيات بديعة من المواعظ الدينية . إنتهى.
وأكد الاسلام على الصفات الرشيدة والأخلاق الحميدة التي جائت عن أسلافهم
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )رواه أحمد . وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:( لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر ، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ) رواه البخاري
في الأخلاق عامة قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خياركم أحاسنكم أخلاقا ) رواه الترمذي . وقال: ( إن من أحبكم إلىَّ أحسنكم أخلاقاً ) رواه البخاري
وفي معاملة الوالدين وبرهما، والاهتمام بهما وتقديهما على غيرهما : جاء رجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك ) رواه مسلم .
وفي معاملة الزوجة خاصة، والمرأة عامة ـ سواء كانت أماً أو أختاً أو بنتا أو زوجة ـ يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .. و قال عليه الصلاة و السلام : ( استوصوا بالنساء خيراً ) رواه البخاري
وحفاظا على المجتمع من انتشار الرذيلة واعتيادها : كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر بالستر وينهى عن الفضيحة فيقول: ( من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) رواه البخاري
ويهتم بأمر الجار والضيف فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) رواه البخاري
وقد أثرت هذه المواقف التعليمية والتهذيبة اثرا بالغاً في حياة المجتمع العربي وظهرت آثارها واضحة في الشعر العربي
لقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم الشعراء المسلمين على التصدي لشعراء العرب الذين عادوا الإسلام، ولم يكن موقف الإسلام من الشعر بذاته بقدر ما أكد على المحتوى الذي يحمل معاني الأخلاق والقيم النبيلة، ويلتزم تعاليم الدين الحنيف ومكارم الأخلاق التي ورثتها الأمة عن أسلافها. كما وابتعد الشعراء عن كل ما يشين وينتقص من الآخرين من فحش الكلام وبذيئه ولا يهجو الشاعر إلا من أساء وتجاوز حدود الأخلاق واحترام القيم النبيلة .
وقال حسان بن ثابت الأنصاري يمدح رسول الله ويبين قيمة رسالته وأثرها:
أغرُّ، عليهِ للنُّبوَّةِ خاتمٌ مِنَ اللَّهِ مَشهُودٌ يَلوحُ ويُشهَدُ
وضَمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ، إذا قالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقَّ لهُ مِن اسمهِ ليُجلَّهُ فذو العرشِ مَحمودٌ، وهذا مُحمَّدُ
نَبيٌّ أتانَا بَعدَ يَأسٍ وفترَةٍ مِنَ الرُّسلِ، والأوثانِ في الأرضِ تُعبَدُ
فَأمْسَى سِرَاجاً مُستَنيراً وهَادِياً، يَلُوحُ كَما لاحَ الصَّقِيلُ المُهنَّدُ
وأنذَرَنا ناراً، وبشَّرَ جنَّةً، وعلَّمَنا الإسلامَ، فالله نَحمَدُ
وأنتَ إلهُ الخَلقِ ربِّي وخالِقي بذلكَ ما عمرت في الناسِ أشْهَدُ
تعالَيْتَ رَبَّ الناسِ عن قَوْلِ مَنْ دَعا سِواكَ إلهاً، أنتَ أعلى وأمْجَدُ
لكَ الخلقُ والنعماءُ، والأمرُ كلهُ فإيَّاكَ نَستهدي وإيَّاكَ نَعْبُدُ
صوَّر حسان بن ثابت في شِعره خسارة قوم النبي ﷺ عندما حاربوه ونبذوه
فنلاحظ أن الخطاب تحول من الخاص الى العام :
جزى الله ربُّ الناسِ خيرَ جزائهِ رفيقينِ قالا خيْمتـَي أمَّ مَعبَدِ
هُما نزلاها بالهُدى واهتدتْ بهِ فقدْ فازَ مَنْ أمسى رفيقَ مُحمَّدِ
فيا لـقصيٍّ ما زوى اللهُ عنكمُ بهِ مِن فِخارٍ لا يُجارى وسؤدَدِ
لِيُهنِ بني كعبٍ مقامُ فتاتِهم ومَقعدُها للمؤمنينَ بمَرصَدِ
سلوا أختكم عن شاتِها وإنائِها فإنَّكم إنْ تسألوا الشَّاةَ تشهدِ
كان حسان بن ثابت يرثي شهداء المسلمين ويخلد معاركهم
إلى جانب حبِّه الكبير للرسول ﷺ وما قاله فيه مديحاً ورثاءً بعد وفاته كان حسان بن ثابت يستخدم الشعر في تخليد معارك المسلمين ورثاء شهدائهم، وكان بذلك يشارك بالحرب النفسية إن صح القول، ومن بين هذه القصائد قوله في شهداء مؤتة:
فلا يُبعِدَنَّ اللهُ قَتلى تتابعوا *** بمُؤتةَ مِنهُم ذو الجناحَينِ جعفرُ
وزيدٌ وعبدُ الله حينَ تَتابَعوا *** جَميعاً وأسبابُ المنيَّةِ تَخطِرُ
غداةَ غدوا بالمُؤمِنينَ يَقودُهُم *** إِلى المَوتِ مَيمونُ النَقيبَةِ أَزهَرُ
أغرُّ كلونَ البَدرِ مِن آلِ هاشمٍ *** شجاعٌ إِذا سيمَ الظلامَةَ مِجسَرُ
فَطاعنَ حَتَّى ماتَ غيرَ مُوَسَّدٍ *** بِمُعتركٍ فيهِ القَنا يَتَكَسَّرُ
فَصارَ مع المُستَشهِدينَ ثَوابُهُ *** جِنانٌ ومُلتفُّ الحدائِقِ أخضَرُ
قصيدة في ذكر عظمة الأمة ورسولها في ظل الاسلام
وسمع الرسولُ النابغةّ الجعدي وهو يُنشد من القصيدة:
أتيتُ رسول الله إذ جاء بالهدى ***ويتلو كتابًا كالمجرّة نيّرا
بلغنا السما مجدًا وجودًا وسؤدَدًا ***وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال الرسول الكريم: فأين المظهر يا أبا ليلى؟
قال: الجنة.
فقال النبي: قل- أجل، إن شاء الله
ثم قال له أنشدني، فأنشده:
وَلا خَيْرَ في حِلْمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لـَهُ *** بَوَادِرُ تَحْـمِي صَفـْوَهُ أَنْ يُـكَدَّرَا
وَلاَ خَيْرَ في جَهْل إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ *** حَلِيـْمٌ إذَا ما أوْرَد الأمْـرَ أصْـدَرَا
فقال الرسول:لا يفضضِ الله فاك
أي: لا يسقط الله أسنانك، وتقديره: لا يسقط الله أسنان فيك، فحذف المضاف.
العفو والصفح عن المسئ : عندما جاء كعب بن زهير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلماً وتائباً معتذراً عما بدا منه من هجاء المسلمين عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قصيدته العصماء التي سميت بالبردة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خلع عليه بردته تكريماً له :
نُبئت أن رسول الله أوعدني *** والعفو عند رسول الله مأمول
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم *** أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
إن الرسول لنور يُستضاء به *** مهند من سيوف الله مسلول
التحدي في المواقف الشديدة
كان الشاعر في الجاهلية ينحاز بالكامل لقبيلته وقومه في الدفاع عنهم والفخر بهم ، ولكن في الاسلام تغيرت المواقف وظهر أثر الدين الحنيف جليا في مختلف المواقف والمناسبات .
وفي يوم أحد يقول ابن سلام عن حسان بن ثابت هو كثير الشعر جيده، ويقال إن أول ما جرى به لسانه حين سله على قريش هذه الأبيات يتحدى بها أبا سفيان بن الحارث:
هجوت محمداً فاجبتُ عنه *** وعند الله في ذاك الجزاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمدٍ منكم وقاءُ
أتهجوه ولست له بكفءٍ *** فشركما لخيركما الفداءُ
ويظهر التحدي واضحا في هذه الأبيات ، كان الشعراء قبل هذا يتحاشون المساس بالأصنام لأنها تمثل قدسية المعتقد عند قريش وسائر القبائل العربية قال حسان بن ثابت:
أَمّا قُرَيشٌ فَإِنّي غَيرُ تارِكِهِم *** حَتّى يُنيبوا مِنَ الغِيّاثِ لِلرَشَدِ
وَيَترُكوا اللاتَ وَالعِزّى بِمَعزِلَةٍ ***وَيَسجُدوا كُلُّهُم لِلخالِقِ الصَمَدِ
وَيَشهَدوا أَنَّ ما قالَ الرَسولُ لَهُم *** حَقٌّ وَيوفوا بِعَهدِ الواحِدِ الأَحَدِ
أثر حروب الردة في الشعر
اذا كانت المعارك التي دارت رحاها بين مشركي قريش ومن ناصرهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره قد خلفت ملاحم كبيرة فان حروب الردة هي الأخرى خلفت أشعاراً كثيرة في الوعظ والإنذار والتخويف والترهيب من مغبة الخروج عن جادة الصواب.
ومنها قول الحارث بن مرة في وعظه بني عامر:
بني عامرٍ إن تنصروا الله تُنصروا *** وإن تَنْصبوا الله والدين تُخْذَلوا
وإن تُهْزموا لا يُنجكمْ منه مهربٌ *** وإن تثبتوا للقوم والله تُقتلوا
وكان في بعضها حماسة دينية يهتف بها المحاربون من المسلمين من مثل قول أوس بن بُجَير الطائي في موقعة بُزاخة:
وليت أبا بكرٍ يرى من سيوفنا *** وما تختلي من أذرعٍ ورقابِ
ألم تر أن الله لا رب غيره *** يصب على الكفار سوط عذابِ
وفيها إقتباس لطيف من القرآن الكريم ، ولم يتجاوز فيه الشاعر ضوابط الشريعة ولا اللغة والبلاغة .
ولكن قد أساء بعض الشعراء في عهود مختلفة هذا الإستخدام وخصوصا في عصرنا الحاضر، حيث بلغت اللغة العربية مستويات متدنية مما حدا بعلماء المسلمين وضع ضوابط لمثل هذه الاقتباسات.
جاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف:
إن الاقتباس من القرآن الكريم غير جائز في المجالات الآتية:
- حديث الله عن نفسه ، فلا يجوز لإنسان أن ينسبه إلى نفسه
- مواطن الاستخفاف والاستهزاء والسياق الهزلي.
- استخدام النص القرآني لغاية مخالفة لهدايته ومقاصده.
أما إذا كان الاقتباس من القرآن الكريم لا يوهم إسناد الآيات القرآنية إلى غير الله ، فهو جائز، أما إذا كان الاقتباس موهما يكون حراما .انتهى
الرثاء في عهد الخلفاء الراشدين
وعندما توفي أبو بكر الصديق في السنة الثالثة للهجرة قرير العين بما أدى لله ولرسوله، وكان آخر ما تكلم به (ربي توفني مسلما وألحقني بالصالحين) ،رثاه حسان بن ثابت بخير الشعر وأحسنه وقد تميزت هذه القصيدة بصدق التعبير وذكر الصفات الحقيقية بخلاف ما كان يبدر من بعض الشعراء في الجاهلية من تمجيد وتعظيم يفوق الواقع كثيراً فقال:
إِذا تَذَكَّرتَ شَجواً مِن أَخي ثِقَةٍ **** فَاِذكُر أَخاكَ أَبا بَكرٍ بِما فَعَلا
خَيرَ البَرِيَّةِ أَتقاها وَأَعدَلَها **** إِلّا النَبِيَّ وَأَوفاها بِما حَمَلا
وَالثانِيَ الصادِقَ المَحمودَ مَشهَدُهُ **** وَأَوَّلَ الناسِ مِنهُم صَدَّقَ الرُسُلا
وَثانِيَ اِثنَينِ في الغارِ المُنيفِ وَقَد **** طافَ العَدُوُّ بِهِ إِذ صَعَّدَ الجَبَلا
عاشَ حَميداً لِأَمرِ اللَهِ مُتَّبِعاً **** بِهَديِ صاحِبِهِ الماضي وَما اِنتَقَلا
وَكانَ حِبَّ رَسولِ اللَهِ قَد عَلِموا **** مِنَ البَرِيَّةِ لَم يَعدِل بِهِ رَجُلا
المحور الثالث :
العصر العباسي وأثر المدنية والانفتاح الثقافي في الشعر العربي
إن حياة المدنية الحديثة والإنفتاح الكبير على مختلف الحضارت في هذا العصر فرض على الأدباء واقعه سواء في الحياة الاجتماعية أو الثقافية وما شاع في تلك الفترة من تحضر وترف ترافقت معها أمور كثيرة منها المجون والزندقة والزهد والنسك، وفي الجانب الفكري أدخلت الفلسفة والمنطق اليوناني ونقل علوم مختلفة أثرت تأثيرا بالغا في حياة المجتمع العربي في تلك الفترة وما تلاها.
وقد ازدهرت علوم اللغة العربية والشعر ازدهارا لا مثيل له في التاريخ . اذ تهافت الشعراء على اللغة العربية باعتبارها ملاذاً لإتقان الملكة اللغوية وحفظ جزالة اللفظ وجمال الأدب.
ومن بين أعلام الشعراء الذين برزوا في ذلك العصر ، بشار بن برد وأبو نؤاس وأبو العتاهية ومسلم بن الوليد وأبو تمام، ثم جاء بعدهم المتنبي الذي بلغ في الشعر العربي وصياغة الجملة العربية مبلغا لم يصل اليه أحد
وكل هذه المتغيرات التي ذكرنا كان لها أثرا بالغا في تطور حركة الشعر التقليدية وعناصره التجديدية وتدافع تيار القديم الموروث دون تعويق لتيار التجديد وما حمله من أفكار عقلية أو اجتماعية .
وكان مسلم بن الوليد من المحافظين على ابنية الشعر المحكمة الشامخة مع التدقيق الشديد في المعاني والإكثار من ألوان البديع
ومن شعره:
ذَهِلتُ فَلَم أَنقَع غَليلاً بِعَبرَةٍ *** وَأَكبَرتُ أَن أَلقى بِيَومِكَ ناعِيا
فَلَمّا بَدا لي أَنَّهُ لاعِجُ الأَسى *** وَأَن لَيسَ إِلّا الدَمعُ لِلحُزنِ شافِيا
أَقَمتُ لَكَ الأَنواحَ تَرتَدُّ بَينَها *** مَآتِمُ يَندُبنَ النَدى وَالمَعالِيا
وقال ايضاً:
كَم نِعمَةٍ لَكَ لا تَنفَكُّ مُوَجِبَةً *** شُكراً وَمِن نِعمَةٍ لَم تَنجُ مِن عَطَبِ
إِذا العِدا أَوقَدوا ناراً لِفِتنَتِهِم *** أَطفَأتَها بِزُجاجِ الخَطِّ وَالقُضُبِ
فَمَن يُرِدكَ لِحَربٍ يَجتَنَ عَطَباً *** وَمَن أَتاكَ لِبَذلِ العُرفِ لَم يَخِبِ
شعر المجون
كان لحياة المدنية والتحضر وسعة العيش ورخاء البلاد ،أثركبير في الشعر العربي فساد الشعر الماجن وبرع فيه أبو نؤاس وهو شاعر كبير له القدرة على نظم الاشعار البديعة التي ترقى الى درجة الشعر الجاهلي جزالة وبلاغة
قال كلثوم العتابي: لو أدرك أبو نواس الجاهلية ما فضل عليه أحد. وقال الإمام الشافعي: لولا مجون أبي نواس لأخذت عنه العلم. وحكى أبو نواس عن نفسه قال: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب. فما طنك بالرجال؟ وهو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية وأخرجه من اللهجة البدوية. وقد نظم في جميع أنواع الشعر، وأجود شعره خمرياته
لِتِلكَ أَبكي وَلا أَبكي لِمَنزِلَةٍ *** كانَت تَحُلُّ بِها هِندٌ وَأَسماءُ
حاشا لِدُرَّةَ أَن تُبنى الخِيامُ لَها *** وَأَن تَروحَ عَلَيها الإِبلُ وَالشاءُ
فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ فَلسَفَةً ***حَفِظتَ شَيئاً وَغابَت عَنكَ أَشياءُ
لا تَحظُرِ العَفوَ إِن كُنتَ اِمرَأً حَرِجاً ***فَإِنَّ حَظرَكَهُ في الدينِ إِزراءُ
وقال ايضا :
بادِر فَإِنَّ جِنانَ الكَرخِ مونِقَةٌ *** لَم تَلتَقِفها يَدٌ لِلحَربِ عَسراءُ
فيها مِنَ الطَيرِ أَصنافٌ مُشَتَّتَةٌ ***ما بَينَهُنَّ وَبَينَ النُطقِ شَحناءُ
الزهد ومناجاة الباري سبحانه وتعالى:
لقد كان لهذا الأثر أهمية بالغة في مسيرة الشعر العربي الخالد ، فقد ابدعوا في مختلف الأغراض وقد برعوا في شعر الزهد ومناجاة الله سبحانه وتعالى وانعكست صور الأيمان بالله سبحانه وتعالى في الشعر باساليب في غاية الرقة والعذوبة وتدل دلالة واضحة على سمو الروح وتزكيتها بالتقوى وصفاء السريرة والإخلاص في العبادة وتعظيم تلك العلاقة المطلقة بين العبد وربه، واليقين الصادق بالوعد المنجز عند التوبة والاستغفار
و كان الإمام الشافعي يجود بأشهر القصائد في مناجاة الله سبحانه وتعالى، ويثني عليه بما وصف به نفسه في كتابه ، وما ورد في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
فقال في قصيدة له:
إليكَ إلهَ الخلقِ أرفعُ رغبتي ***وإنْ كنتُ يا ذا المنِّ والجودِ مجرما
ولـمَّـا قسا قلبي وضاقتْ مذاهبي ***جعلْتُ الرَّجا مني لِعفوكَ سُلَّما
تعاظمني ذنبي فلـمَّـا قرنْتُهُ *** بعفوِكَ ربي كانَ عفوُكَ أعظما
وما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنبِ لمْ تزلْ ***تجودُ وتعفو مِنَّةً وتكرُّما
ويأتي ابو العتاهية بشعر يفوح حكمة وزهداً وتبتلاً، ويعد من مقدمي المولدين من طبقة بشار وأبي نؤاس وغيرهم . وقد غلبت آثار الزهد والإنصراف عن الدنيا وملذاتها على عامة شعره بشكل واضح
قال في إحدى قصائده:
أَشَدُّ الجِهادِ جِهادُ الهَوى *** وَما كَرَّمَ المَرءَ إِلّا التُقى
وَأَخلاقُ ذي الفَضلِ مَعروفَةٌ *** بِبَذلِ الجَميلِ وَكَفِّ الأَذى
وَكُلُّ الفُكاهاتِ مَملولَةٌ *** وَطولُ التَعاشُرِ فيهِ القِلى
وَكُلُّ طَريفٍ لَهُ لَذَّةٌ *** وَكُلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلى
وَلا شَيءَ إِلّا لَهُ آفَةٌ *** وَلا شَيءَ إِلّا لَهُ مُنتَهى
وَلَيسَ الغِنى نَشَبٌ في يَدٍ *** وَلَكِن غِنى النَفسِ كُلُّ الغِنى
وَإِنّا لَفي صُنُعٍ ظاهِرٍ *** يَدُلُّ عَلى صانِعٍ لا يُرى
أثر التجديد في الشعر العربي
أبو تمام رائد التجديد
ابو تمام شاعر يمتاز ببراعته وتفرده بالمطالع الإستهلالية الرائعة التي تمتاز بالفخامة والجزالة وقوة السبك وإحكامه وجمال التعبير ودقته وعذوبة الألفاظ ورقتها وبيان المعاني وسلاستها وترابط العبارات وتجانسها، فجاء شعره متجانس الألفاظ في تناسق متسلسل يعكس طريقة الشاعر وقوة تركيزه الذهني في إحكام بناء البيت الشعري موضحة اسلوب التضاد والتناقض التي يقصدها الشاعر ، وهذه الخصائص الفكرية تبرز أمكانية الشاعر وتكيفه مع المواقف المختلفة التي تمكنه من بلوغ أهدافه وأغراضة بكل امكانية واقتدار
وفي قصيدته المشهورة:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ ****في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في *** مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً ***بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما ***صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً *** لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
وفي الختام إن ما قدمته ما هو الا شذرات من التراث الشعري الثري بالعجائب والذي أثر وتأثر بمختلف المتغيرات الثقافية والاجتماعية على مر العصور
ولا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل الى كل القائمين على هذه المنصة الثقافية على جهودهم في إدارة هذه الندوة مع فائق تقديري واحترامي
الإنزياح
علي محمد العبيدي
مصطلح الانزياح : قال ابن منظور في لسان العرب انزاح عن ينزاح، انزح، انزياحا، فهو منزاح، والمفعول منزاح عنه . انزاح المرض عنه : زال عنه وانكشف. وقال الفيروز آبادي في قاموس المحيط : زاح عن، يزيح، زح، زيحا وزيوحا وزيحانا، فهو زائح، والمفعول مزيح عنه، زاح الشئ ذهب وتباعد.
قال الشاعر :
فلأيا أزاحت علّتي ذات منسم *** نكيب تغالي في الزّمام خنوف
وهذا يعني أن هذه الكلمة يعرفها النحويون وعلماء اللغة العربية ، ولم يضعوها ضمن مصطلحاتهم النحوية والبلاغية .
ترى هل جهلها الجهابذة الكبار وعلمها المعاصرون!
(L'ecart)المصطلح
ويظهر في مترجم Google على الانترنيت عند نقله من الفرنسية الى العربية بمعنى (الفجوة) . ولم أعثر على المصطلح في قاموس المنهل تأليف الدكتور عبد الجبور نور والدكتور سهيل ادريس وهو قاموس لغة عام . ولم اعثر عليه في القاموس الفرنسي العربي وهو قاموس لغوي - علمي .
هو مصطلح فرنسي يخص علم النفس ويعالج قضايا عقلية ثم بعد ذلك تحول استخدامه في الادب الفرنسي ، ورفضه الادباء والنقاد البريطانيون ولم يدخلوه ضمن مصطلحاتهم الادبية والنقدية . علما ان هذا المصطلح لم يثبت لحد الان له على تعريف محدد . وكل المحاولات التي تسوغ لقبوله وإقحامه في مصطلحات لغتنا هي محاولات باطلة ولا تستند الى دليل علمي عربي علما أن علوم اللغة العربية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدراسات القرآنية لأنه هو الضابط اللغوي واللفظي للكلام العربي وكل مصطلح (له رسم ، وله حد) .. وان علماء الوضع وضعوا مصطلحات اللغة والنحو والبلاغة بناء على الذي تعنيه تركيب اللغة العربية وضبطوا كل مصطلح بحده الذي يحده ورسم هذا الحد وفق لغة العرب وضوابطها .. وما ينسب الى ابن جني وابن سلام والجرجاني وقدامة بن جعفر من أنهم أشاروا الى هذا المصطلح في مؤلفاتهم محض افتراء ..لأنه من الدخيل ولا يطابق مصطلحاتهم بأي حال.
وضرر الدخيل في لغتنا أخطر من السرطان في الجسد
#الوضع
#البلاغة
#الانزياح
#ابن_جني
#ابن_سلام
#الجرجاني
#قدامة
#مصطلح
#الدخيل
#النقد
Comments
Malak Saleh
Moderator
قد أسميته كما تفضلت دخيلاً على اللغة! من وجهة نظري اللغة قابلة للتغيير وإدخال مصطلحات عليها لا يضعفها بل يزيدها توسعاً وانتشاراً!!! شكراً لك
· Reply · 2w
Nidal Sawas
Admin
شكرا لك لكن لم الاعتراض على هذه الكلمة بهذا المسمى ؟
إن كانت هذه الكلمة تمثل شرحا حقيقيا للحالة النفسية الفكرية لما أريد لها أن تمثله فهي كلمة وافية وقد نجحت في مهمتها .
اللغة العربية لغة رائعة وأنا مع السلامة اللغوية وبعدها عن الخلل والإسفاف لكن لا يمكن البقاء محنطين في قالب معين استحداث الكلمة إن كان سليما وبموقعه هو مطلب عصري وحضاري على مر العصور جرت تحديثات عديدة والا ما كان هنالك هذا الكم الكبير من المترادفات اللغوية
· Reply · 2w
Ali Mohammed
Nidal Sawas
شكرا لمداخلتك استاذة ... اللغة العربية لغة عظيمة ... وفيها كم هائل من المصطلحات وقد رسم العلماء حدودها وطابقوا تعريفها مع ما وضعت له وفق اسس اللغة وتصاريفها واشتقاقها ... والدخيل لا يتطابق بحال مع لغتنا ... ولو نقلنا مصطلح اللغة العربية على لغة أخرى يحدث نفس الشئ لان كل لغة لها صفاتها وقواعدها وحدودها التي تميزها عن باقي اللغات ... ولا مبرر لاقحام الدخيل في لغتنا
· Reply · 2w
Nidal Sawas
Admin
Ali Mohammed هذه كلمة عربية صرفة بتكوينها فكيف تراها دخيلة
· Reply · 2w
Ali Mohammed
Nidal Sawas
سيدتي الفاضلة ... هذا كلام أجنبي مترجم للغة العربية ... ولا يوجد في اللغة العربية مصطلح بهذا الاسم ... وموضوع المصطلح درسه علماء العربية وافرغوا جهدهم ووضعوا لنا علومها ... وكل كلمة لا تحد بحدود علم العربية ولا تخضع لتصاريفها واشتقاقها ... فليس منها ... والا لماذا ألف ابن خالويه كتابه (ليس في كلام العرب) وهو يقع في مجلد كبير ... وابن جني كتابه (الخصائص) في علم العربية ...تحياتي والورد
· Reply · 2w · Edited
Nidal Sawas
Admin
Ali Mohammed احترم رأيك ولست معه .ليكن وليترجم للعربية ما الضرر هل اساءت الترجمة للعربية العالم عالم علم وثقافة ومعرفة لماذا تناقش هذا ولا تناقش ضحالة الفكر العربي الحالي والأغلاط النحوية الشنيعة في الكتابة والالفاظ الغريبة واستخدام بعض الدول العربية … See More
· Reply · 2w
Ali Mohammed
Nidal Sawas
سيدتي الفاضلة .. هذه آراء علماء الوضع المتخصصين ... وليس من عندي ... ولا علاقة للترجمة أو ضبط اللغة بالمصطلح الدخيل وضعف اللغة العربية وكتابتها في الوقت الحاضر له مسبباته ومشاكله ... وله متخصصين بالمناهج الدراسية ... مع خالص تحياتي
· Reply · 2w
· Reply · 2w
Nidal Sawas
Admin
Ali Mohammed أنا دراستي ماجيستير بالادب الإفرنسي ترجمة فورية وموضوع الترجمة لي شأن به ولكن أنا لا أجد بهذا إساءة للغة العربية على العكس تماما هو اجتهادي
يحاذي تطور العالم واللغة والعصر كيف سنتوصل إلى فهم ومعرفة العالم الخارجي بتطوره ما لم نسع إلى توضيحه للإنسان العربي ؟
حين يتجاوزنا الغرب كثيرا جدا بعلومه وطبه وفيزياءه وكيمياءه فكيف لنا أن نضطلع على هذا دون محاولات الفهم من خلال التبسيط والشرح والتقريب وإيجاد رابط ومدلول لغوي مساعد ؟
هذا لا يلغي لغتنا ونحن هنا لا نتحدث بعنصرية اللغة وعدم المساس بها فأنا أيضا كاتبة وشاعرة ومن أكثر الدعاة للحفاظ على سلامتنا اللغوية وعلى عروبتنا لكن هذا لا يسيء بقدر ما هو يحافظ ويساعد
استنباط لفظة ملائمة كبديل لشرح طويل يساعد بتقريب الصورة فكريا ونفسيا إلى عقل القارئ
وهذا أجده أمرا غاية في الأهمية
· Reply · 2w
Ali Mohammed
Nidal Sawas
وانا أيضا مع التطور الثقافي والعلمي ... واتحدث لك عن الارباك في أخطاء المترجمين ... كنا طلاب في الكلية وفي درس الكيمياء الحياتية كان مصطلح الامتصاصية (Absorbtion) ... وكان علينا أجباريا حفظ المصطلحات باللغة الانجليزية ... ومن يكتب المصطلح بالعربية .. يعطيه الاستاذ خطأ ويحرم من الدرجة ... وفي مقابل مصطلح الامتصاصية ... مصطلح مكتوب باللغة الانجليزية (Adsorption) .. وأمامه بالعربية الادمصاصية ... ولم يفهم اي من الطلاب معنى هذا المصطلح علما أنه يدخل في صلب المعادلة الرياضية في التحليلات الكهربائية الكيميائية ... وعندما سألنا الاستاذ لم يتمكن من ترجمته ... وكان سببا كبيرا في تدني مستوياتنا في اختبارات ذلك الدرس ... وبعد مرور سنين بقيت ابحث عن هذا المصطلح ... فوجدت المعنى الحقيقي له في اللغة العربية ... هو (مثبط الامتصاصية) .. وهذا دليل على ضعف لغة المترجم وعدم معرفته بالمصطلح العربي وجهله بحدود ووضع المصطلح العربي أو انه لم يسمع بعلم الوضع وعلم الحدود من الاساس المهم سجل على غلاف الكتاب ترجمة فلان لكي يقول أنا مترجم وعانى الكثير من الطلاب من سوء فهمه وقلة علمة وجهله وترجمته لمصطلح أجنبي بلفظ غير مفهوم ... وهذا يدلنا على أن كل لغة لها مصطلحاتها التي وضعها العلماء المتخصصين بذلك ... وعندنا في البلاغة مصطلحاتنا ... وانت تعرفين جيدا أن العربية لغة الحقيقة وكل أدب يخرج عن حدود حقائق العربية هو ليس أدب عربي هذا ما قاله علماء العربية وليس أنا ... والانزياح لا يتفق مع حقائق العربية وآدابها لانه مصطلح يخص لغة غير العربية فلماذا يدافع عنه بعض النقاد المعاصرين كل هذا الدفاع ... علما أن النقد العربي اليوم هو نقد غير عربي لكنه مكتوب باللغة العربية .. تحياتي
· Reply · 2w
Nidal Sawas
Admin
Ali Mohammed إذا يجب الاعتناء أكثر بصحة الترجمة للوصول إلى صيغة مناسبة تكون سليمة ومعقولة مناسبة للصيغ التي يجري ترجمتها ...الصيغ العلمية الكيميائية والفيزيائية كيف ستترجم مثلا إلا بالتقريب والتوضيح وبالتالي ماذا عن المسميات للمذاهب الفلسفية والأفكار والنزعات الصادرة بمسميات معينة ترتبط ارتباطا وثيقا بمحيطها ؟ لا بد أن يكون لها تركيبتها اللغوية الخاصة مع المحاولة لتبسيطها كترجمة لغوية مستحدثة إذ لا يمكن أن تصلب اللغة كمادة محنطة بالنسبة لهذه الحالات بشكل خاص
· Reply · 2w
Ali Mohammed
Nidal Sawas
كل تركيب أدبي أو علمي له مصطلحاته وحدود ذلك المصطلح في اللغة العربية ... وهذا كتاب الحاوي في الطب للرأي يقع في12 مجلد وفيه كم هائل من المصطلحات العلمية والطبية العربية ... وكذلك كتب ابن سينا مثل الشفاء والقانون في الطب والنجاة في علم المنطق والفلسفة وكتاب السياسة وشرح عيون الحكمة وجميع مصطلحاتها من وضع عربي صرف وحدودها حدود المصطلح العربي الصرف .. (علما أن أحد العلماء الاغريق في القرن الثالث قبل الميلاد قال: أن الفلاسفة الاغريق أخذوا علومهم الفلسفية من المصرين ومن الشرق .. وقصد بذلك شرق المتوسط .. والكثير من الكتاب العرب المعاصرين يدافعون باستماتة من أن الفلسفة والمنطق والنقد هي أغريقية المنشأ ... وهذا كله محض افتراء ... حوار ومداخلات ممتعة أثرت الموضوع مع تحياتي واحترامي .
· Reply · 2w
Write a reply…
التمرد (مخاطره وعلاجه)
علي محمد سلمان العبيدي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إن التمرد مرض خطير وداء وبيل، بالغ في إصابته، سريع العدوى، واسع الانتشار، خطير في تأثيره، ضار أبلغ الضرر في نتائجه، يحتاج إلى صبرٍ طويل لكي يعالج، ويتطلب قوة مجتمعة وجهوداً مضنية وإمكانات كبيرة وقدرات عالية وأساليب علمية رصينة بأشراف وتوجيه علماء من ذوي الخبرة والخلفية العلمية والرصيد الكبير في الفقه والدعوة والتوجيه والإرشاد ولديهم الاطلاع الكامل على المذاهب والأديان والنحل والفرق والعقائد عند مختلف أمم الأرض، ولهم باع طويل بالجدل والمناظرة وأسلوب هادئ بالحوار والدعوة، وقدرة كبيرة على الإقناع، ويتمتعون بانضباط نفسي مطلق، معتمدين على الكتاب والسنة والأساليب العلمية والثقافية الحديثة التي لا تتعارض مع روح الشريعة الإسلامية السمحاء.
لذلك فإن موضوع التمرد كان وما يزال يشغل بال الكثير من العلماء من رجال الدين الإسلامي والمفكرين والمختصين بالشأن الاجتماعي والأخلاقي والنفسي لما له من تأثير بالغ على التغيير الذي يحدث في السلوك الفردي والاجتماعي والأخلاقي وما يحدثه من تأثير في تراث الأمم والشعوب وبالذات شعوب الأمة الإسلامية، لان التمرد فيها ليس تمرداً على مستوى أفراد تأثروا بفكرة غربية أو أعجبوا بسلوك مستورد من مجتمعات لا تمت إلى الضوابط الاجتماعية الأصيلة ولا إلى التقاليد التي ورثناها عن أسلافنا أو على مستوى مجموعة من الأفراد تبنت فكرة أو نظرية فلسفية معينة في ميدان من ميادين الثقافة عقائدية كانت أو اجتماعية أو غيرها من النظريات التي يطرحها مفكرون غير إسلاميين بين الفينة والأخرى. إنما هي أفكار ونظريات وأجندة يُزج بها وعلى الدوام إلى أبناء أمتنا المسلمة. من خلال ضعاف النفوس والجواسيس المرجفين الذين يحاولون أن ينالوا من عظمة صرح الدين الحنيف. وأنى لهم ذلك. كل ذلك من أجل التغيير الفكري والثقافي وهدم التقاليد والقيم النبيلة التي ورثناها عن أجدادنا منذ أمد بعيد قبل الإسلام، وحين ظهر الإسلام على يد النبي العربي الأمي محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - سعى في ترسيخ هذه التقاليد والعادات الاجتماعية النبيلة مثل إكرام الضيف واحترام الجار وإعانة المظلوم ومساعدة المحتاج ونجدة الملهوف إلى غير ذلك من الموروث الأصيل الذي يطول تعداده وذكره. وكذلك أهتم بموضوع بنية الأسرة المسلمة لأنها الوحدة الأساسية في بناء وتكوين المجتمع. وبالمقابل نبذ وحارب كل ما هو سيء ومشين من العادات والسلوكيات البالية التي لا تمت بصلة إلى الإنسانية وروح الإيثار والتسامح والنبل والشهامة والبطولة والإباء. فان النبي صلى الله عليه وسلم نقى وهذب السلوك الاجتماعي من أدران الجاهلية وكل ما هو مستهجن وقبيح قد نما وكبر وتأصل عبر الزمن وأبعد عنه كل ما هو غريب ودخيل من العادات والتقاليد الوافدة إليه من المجتمعات الأخرى والذي ذاب وانصهر عبر التاريخ لينتج لنا نموذجاً هجيناً لكنه راسخ مستحكم ومؤثر في حياة المجتمع وتقاليده. فتم بنعمة من الله ثم بفضل وسداد من هذا النبي انتزاع مثل هذا الموروث الدخيل وغيره من مجتمعات أمتنا وتنقيته وتصفيته. فبذلك شهدت الأمة وعلى يد نبيها الأمين ولادة موروث اجتماعي نقي أصفى من الماء الزلال مبني على أعلى مستويات المبادئ الأخلاقية والسلوكية النبيلة ليُزرع في أجساد ملؤها الغيرة والشهامة والنبل والإيمان والتوحيد والتي أصبحت بين ليلة وضحاها المجتمع المثالي الذي تحسده البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، كيف لا ومجتمع بناه الرسول الأعظم فوضع لبناته الأساسية بيده الشريفة ورسخ عقيدته وشريعته بفكرٍ نيرٍ مستمد من أنوار العظمة الإلهية. كيف لا وهو القائل: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فوالله لقد أتمها على أحسن ما يراد وكافح ونافح من أجلها بأعز ما عنده من مال وأهل وبلاد ورسخها فينا على أتم ما يراد لها فمن قصر فيها أو انتقص منها فهو ضال معاند وشاذ عن الجماعة، ومصاب بأمراض منها الكبر والحسد وضعف الإرادة وهزال الشخصية ومرض الجهل المركب بعظمة هذا الدين وما يحمله للعالم من أفكار نيرة وأهداف حضارية كل همها وغاياتها زرع روح الألفة والمحبة والتواصل الإنساني في هذا العالم. لكي تتحقق بذلك السعادة والرخاء للبشرية جمعاء وعلى كافة المستويات والأصعدة الثقافية والعلمية والحضارية. وعلى مستوى راقٍ من الأخلاق والسلوكيات النقية التي تمثل الطهر والعفاف والشرف والروح النبيلة لكي تسمو بالبشر إلى أرقى المستويات وأعلى درجات الرقي ويكون مؤدى الرسالة تاماً غير منقوص.
فسعى أعداء الإسلام إلى استخدام سلاح جديد بعد أن فشلت كل أسلحتهم ودعواتهم المضللة وهجماتهم الهمجية الصفراء. فعمدوا إلى أصحاب النفوس الضعيفة وحملة الأفكار المريضة من المنافقين (مسلمي الهوية فقط) من الرعاع والعلمانيين الأوغاد ومن لف لفهم إلى استخدامهم كجنود مرتزقة وبسلاحهم الجديد إلا وهو سلاح التمرد على الأخلاق والتقاليد والسلوكيات والموروث الاجتماعي النبيل في المجتمع المسلم واستخدامه كمعول هدم في بنية المجتمع الإسلامي المتينة. فالواجب الملقى على عاتق العلماء والمصلحين محاربة مثل هكذا هجمات وبكل الوسائل المتاحة من خلال التثقيف بالكتب والصحف واستخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والانترنيت وفي المساجد والأماكن العامة والتجمعات الاجتماعية المختلفة لفضح هذه المخططات، وكشف هذه المؤامرات، وبيان زيف ما تحمله من أفكار مضللة للناس. وتوعية أبناء المجتمع لمواجهتها ونبذها واستهجانها وعدم الالتفات إليها أو سماعها أو الإنصات إليها ورميها خلف ظهورهم إلى غير رجعة.
معنى التمرد في اللغة:
• والمَرَادَةُ: مَصْدَرُ المَارِدِ. والمَرِيْدُ: من شَيَاطِينِ الإنْسِ. وقد تَمَردَ: اسْتَعْصَى. ومَرَدَ على الشَّر يَمْرُدُ مُرُوْداً: عَتَا وطَغَا.
• والمُرودُ على الشيء: المُرونُ عليه. والمارِدٌ: العاتي. وقد مَرُدَ الرجل بالضم مَرادَةً، فهو مارِدٌ ومَريدٌ. والمِرِّيدُ: الشديد المَرادَة. والمَرِيدُ من شياطين الإنس والجن وقد تمرَّدَ علينا أي عتا واستعصى.
• والمَرِّيد: الخبيث.
• وكذلك المارد والمريد والمُتَمَرِّد: الشرير.
وأما قول الله جل وعز: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ [التوبة: 101].
قال الفراء: يريد مَرَنوا عليه وجَرَنوا كقولك: تمرَّدوا.
وقال ابن الأعرابي: المَرْدُ التَّطاول بالكبر والمعاصي ومنه قوله: ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ : أي تطاولوا.
وهذا قول الصاحب بن عباد والجوهري والأزهري.
قال ابن منظور في لسان العرب:
(مرد) المارِدُ العاتي مَرُدَ على الأَمرِ بالضم يَمْرُدُ مُروُداً ومَرادةً فهو ماردٌ ومَريدٌ وتَمَرَّدَ أَقْبَلَ وعَتا وتأْويلُ المُروُد أَن يبلغ الغاية التي تخرج من جملة ما عليه ذلك الصِّنْف والمِرِّيدُ الشديدُ المَرادةِ مثل الخِمِّير والسِّكِّير وفي حديث العِرْباض وكان صاحبُ خيبر رجُلاً مارِداً مُنْكراً الماردُ من الرجال العاتي الشديد وهذا قول أبن الأثير في النهاية، وأَصله من مَرَدة الجن والشياطين. ومنه حديث رمضان وتُصَفَّدُ فيه مَرَدة الشياطين. ومَرَدَ على الكلام أَي مَرَنَ عليه لا يَعْبَأُ به. قال الله تعالى ومن أَهل المدينة مَرَدُوا على النِّفاقِ قال الفراء يريد مَرَنُوا عليه وجُرِّبُوا كقولك تَمَرَّدُوا. وقال ابن الأَعرابي المَرْدُ: التطاول بالكِبْر والمعاصي ومنه قوله مَرَدُوا على النفاق أَي تَطاوَلوا والمَرادةُ مصدر المارِدِ. وتَمَرَّد أَي عَتَا وطَغَى. والمَرِيدُ الخبيثُ المتمرّد الشِّرِّير. وشيطان مارِد ومَرِيد واحد. قال ابن سيده: والمريد يكون من الجن والإِنس وجميع الحيوان. وجمع المارد مَرَدة.
وقد فسره ابن فارس بأنه التجرد من الخير بناء على ما دل عليه أصل اللغة. قال في مقاييس اللغة:
(مرد) الميم والراء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على تَجريدِ الشَّيء من قِشْرِه أو ما يعلوه من شَعَرِه. والأمرد: الشّابُّ لم تَبدُ لِحيتُه. ومَرِدَ يَمْرَدُ. ومرَّدَ الغُصن تمريداً: ألقى عنه لِحاءه فتركّهُ أمْرَد، ومنه شجرةٌ مَرْداء. والمَرْداء: رملةٌ منبطِحةٌ لا نَبْتَ فيها، والجمع مَرادَى. والمارد: العاتي، وكذا المَرِيد، كأنَّه تجرّد من الخير. أي أنه فسره بما قبله.
وتمرد الغلام مرد وعلى الشيء مرن عليه واعتاده وعلى القوم عصى عنيدا مصرا . ويقال تمرد على الشر: طغى.
(المارد) الطاغية والعملاق. وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ [الصافات: 7].
التمرد وصفات المتمردين كما وصفها علماء التفسير والفقه:
قال الإمام الطبري: وقوله ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ مرنوا عليه ودَرِبوا به، ومنه: شيطان مارد، ومريد، وهو الخبيث العاتي. ومنه قيل تمرد فلان على ربه، أي عتا، ومرن على معصيته واعتادها. وقال أبن زيد في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ [التوبة: 101]: أي لجوا فيه وأبوا غيرَه.
وقال أبن جزي الكلبي: أي أجترؤا عليه.
وقال الحافظ أبن كثير في تفسيره: ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾: أي مرنوا واستمروا عليه، ومنه يقال شيطان مريد ومارد. ويقال تمرد فلان على الله، أي عتا وتجبر.
وقال القرطبي: ومعنى ﴿ مَرَدُوا ﴾: أقاموا ولم يتوبوا.
وقال الإمام البغوي في تفسيره: يقال تمرد فلان على ربه: أي عتا، ومرد على معصيته: أي مرن وثبت عليها واعتادها. ومنه: المريد والمارد.
وقال الزمخشري في الكشاف: ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾: تمهروا فيه، من مرن فلان عمله، ومرد عليه إذا درب به وضرى، حتى لان عليه ومهر فيه،
وقال ابن عطيه: والظاهر من معنى اللفظ أن التمرد في الشيء أو المرود عليه إنما هو اللجاج والاستهتار به، والعتو على الزاجر وركوب الرأي في ذلك، وهو مستعمل في الشر لا في الخير، ومن ذلك قولهم شيطان مارد ومريد. ومن هذا سميت مراد لأنها تمردت وقال بعض الناس: يقال تمرد الرجل في أمر كذا إذا تجرد له، وهو من قولهم شجرة مرداء إذا لم يكن عليها ورق، ومنه ﴿ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ ﴾ [النمل: 44]، ومنه الأمرد الذي لا لحيةَ له.
فمعنى ﴿ مَرَدُوا ﴾: في هذه الآية لجوا فيه واستهتروا به وعتوا على زاجرهم. انتهى.
أما الإمام الغزالي فقد قال في أحياء علوم الدين: الكبر هو تمرد عن قبول الحق والشكر عليه. فإنه وصف المتكبرين بأنهم متمردين لعدم قبولهم كلمة الحق ونكرانهم شكر المنعم عليه.
وقال عبد القادر عوده في التشريع الجنائي:
وقد أدت طريقة القوانين إلى فساد الأخلاق وشيوع الفوضى، والتحلل من كل القيود، وأوجدت في الجماهير روح التمرد والاستعداد للخروج على قواعد القانون والاستهانة بها. انتهى.
فإنه بذلك أسند روح التمرد وفساد الأخلاق التي تنشأ عند الجماهير إلى القوانين الوضعية، لأنها لا تحقق متطلبات المجتمع ولا تخدم روح العدالة ولا توفر المساواة. علماً أن الكثير من القوانين الوضعية التي تتعارض مع روح الشريعة الإسلامية هي في حد ذاتها تمرد على هذه الشريعة وقيمها النبيلة السامية التي حفظت للبشرية جمعاء حقوقها وكرامتها من الضياع. أما ما يُصاغ ويشرع وفق ما تتطلبه المتغيرات المستجدة في الحياة المعاصرة أو ما يفرضه التقدم التكنولوجي والاكتشافات العلمية الحديثة فذلك لا يُعترض عليه ما دام فيه نفع للإنسانية وخدمة لمجتمعاتها، شرط أن لا يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية وثوابتها.
وقد وصف اليازجي المتمرد وصفاً جميلا واضحاً حيث قال في نجعة الرائد:
وَفُلانٌ لا يَمُضّه عَذْل عَاذِل، وَلا يَعْمَل فِيهِ الْمَلام، وَلا يُحِيك فِيهِ الْعَذْل، وَلا يَرِيعُ لِنُصْحٍ، وَلا يُرْعِي إلى قَوْلِ قَائِلٍ، وَقَدْ مَرَدَ عَلَى الْكَلامِ، وَمَرَنَ عَلَيْهِ وَمَجَنَ عَلَيْهِ، إِذَا اِسْتَمَرَّ فَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِ.انتهى. (أي لم يؤثر في سلوكه ولم يمس أحاسيسه ولم يداعب مشاعره فيغير تصرفاته ويقوم سلوكه ويحسن أخلاقة فيكون عقله قد استنار وسلوكه قد استقام.
وقد وصف ضده حيث قال: وَيُقَالُ اِلْتَامَ الرَّجُل، وَاعْتَذَلَ، وارْعَوَى، إِذَا قَبِلَ اللَّوْم وَأَقْلَعَ عَنْ رَأْيِهِ.
وبناء على ما تقدم يتبين لنا أن التمرد هو الخروج على المفاهيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وخروج على التقاليد والأعراف والموروث الاجتماعي المعروف والمتداول والمقبول ومحاولة طمسها وتغييرها بالكامل، واستبدالها بمفاهيم وتقاليد وأعراف وموروث دخيل، ومبتدعٍ جديد وهجينٍ مستورد.
وان المتمرد يحمل سيء الصفات وأهمها التكبر والتعنت وعدم قبول صحيح الآراء كما ويحمل صفات شيطانية صرفة بتكبره على كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتأوليهما على وجه غير سليم، كما وانه يكون جدلي بطبعه ولا يقبل الحوار والمناقشة ويحاول بكل الطرق والوسائل ان يسفه آراء الآخرين ويقلل من شأنهم وينتقصهم، ويكون له على الأخطاء إصرار عجيب وعناد رهيب واستهتار لا متناهي. كما وانه لا يقبل النصيحة والتوجيه أو الأخذ بيده إلى جادة الصواب، ولا ينفع معه الأشدة العقاب وقوة الردع وصلابة الجانب، كما يجب تفنيد أقواله وفضح معتقداته وتسفيه أفكاره والتحذير منها وكشف ما يلبسه على الناس في مناظرات مفتوحة ليستنير الناس بها ويتصدون له ولأفكاره التي يتبناها وعقيدته التي يحملها.
أسباب التمرد:
ومن أسباب التمرد الابتعاد عن الدين الإسلامي الحنيف وعدم التمسك بمنهج الكتاب والسنة المطهرة، وقلة العلم وسوء الفهم بما ترشدان إليه من تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق، وما يرسخ في النفوس من إيمان بالله سبحانه وتعالى إذا ما سلك الإنسان طريقهما السلوك الصحيح.
كما أن التأثر بعادات وتقاليد الغرب المستوردة عبر الفضائيات الكثيرة وشبكة الانترنيت له آثارُه السلوكيةُ المدمرةُ، ومنها الصد عن سبيل الله، وإضعاف أثر الدين في النفوس، وذلك من خلال البرامج والأفلام التي تحمل في طياتها عقائد مضلة و أفكار هدامة ونقول زائفة، وما تطرحه من سلوكيات منحرفة وشبهات كثيرة تطعن في الدين، وتبث إلى الجهال من الناس من عشاق ما يسمى بالثقافة الغربية وما أكثرهم، والذين لا يعرفون من معاني الإسلام إلا الاسم، ولا من كلمة الإخلاص إلا الرسم. وهي مبرمجة بأسلوب ماكر وتعرض بطرق ووسائل خبيثة مما يكون لها الأثر البالغ في النفوس الضعيفة والعقول الخالية والسلوك اللين. والتي تشبه بالغصن الطري الذي يتمايل مع الريح من أي اتجاه هبت وفي أي وجهة غدت.
ومن آثارها:
التمرد على القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، والآداب المرعية. التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: شيوع العادات السيئة والسلوكيات المنحرفة كالاستهانة بمحارم الله، وتجاوز الحدود الشرعية والاستخفاف بشعائر الدين.
ومنها: الإعجابُ بالأمم الأخرى الغير مسلمة وتقليدها في عاداتها وسلوكها مثل الملبس، والهيئة، والأفكار والثقافة والمعتقدات، وما إلى ذلك.
معالجة التمرد:
ومن أهم الوسائل التي ندرأ بها مثل هذا التيار التزام منهج الوسطية والاعتدال في طريقة الدعوة إلى الله بأسلوب علمي يحبب الالتزام بالدين وقيمه إلى النفوس بتيسيره على الناس وعدم التشديد فيه، والابتعاد عن الإفراط والتفريط في الدين، وعدم التنفير منه باستخدام أساليب دعوية غير مبنية بنية علمية دقيقة لا توافق منهج الكتاب والسنة النبوية المطهرة. ولا نقصد بالوسطية هنا الجبن والخنوع والتزام الصمت كما يصورها لنا المرجفين خدام أعداء الدين من الجواسيس والمتملقين الأذلاء المتهافتين على بقايا موائدهم أزاء الهجمات الهمجية الشرسة التي يقودها أعداء الإسلام.
لأن اتباع هذا المنهج وفق الأسلوب الصحيح له تأثير عجيب على الأفراد والجماعات وعلاج فعال وناجع في كبح جماح وباء التمرد، ويعتبر من أهم الضمانات لمواجهة هذا الخطر الداهم ومنعه من التمكن والاستفحال في جسد الأمة الإسلامية، وكما هو معلوم فإن الوسطية في الدين والاعتدال في الدعوة إلى الله هي من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية. قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة : 143].
كما وان الوسطية هي صمام الأمان للوقوف بوجه التيارات المضللة والتي بواسطتها ندرأ التمرد والعنف والانحراف عن جادة الصواب. وتفنيد الأفكار الفاسدة الوافدة الداعية إلى التمرد ضد الإسلام والواقع الاجتماعي الذي يعيش في ظله وضد تراثه الخالد. وتسفيه أفكار من يحملها أو يدعو إليها.
وقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل : 125].
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ادْعُ ﴾ يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته ﴿ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾ يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾ يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك وكتابه الذي ينزله عليك ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ يقول: وبالعبر الجميلة التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه، وذكّرهم بها في تنزيله، كالتي عدّد عليهم في هذه السورة من حججه، وذكّرهم فيها ما ذكرهم من آلائه ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ يقول: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك. انتهى.
قال الحافظ أبن كثير:
يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها، ليحذروا بأس الله تعالى.
وقوله: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [العنكبوت: 46] فأمره تعالى بلين الجانب.
قال الإمام البغوي في تفسيره:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف : 108].
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد، ﴿ هَذِه ﴾ الدعوة التي أدعُو إليها والطريقة التي أنا عليها، ﴿ سَبِيلِي ﴾ سُنَّتي ومنهاجي. نظيره قوله:﴿ ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾ (النحل: 125) أي: إلى دينه. ﴿ أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة ﴾ على يقين. والبصيرة: هي المعرفة التي تُمِّيزُ بها بين الحق والباطل، ﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ أي: ومَنْ آمن بي وصدَّقني أيضا يدعو إلى الله.
وهذه الطريقة التي دلنا عليها الباري جل وعلا في محكم التنزيل هي أسلم الطرق التي نتمكن بواسطتها من صد هجمات دعاة التمرد على قيم الإسلام النبيلة أو النيل منها من قبل أعداء الإسلام جميعاً. لأننا بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل العلمي الذي يحمل الدليل الدامغ المبني على ما ورد من صريح الكتاب والسنة نقطع كل الألسنة التي تتطاول على ديننا الحنيف أو النيل من الرسول الكريم الذي تركنا على المحجة البيضاء، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
العقيدة الإسلامية هي صمام الأمان:
إن العقيدة الإسلامية هي القاعدة الأساسية لبناء النظام الاجتماعي في الإسلام. فالواجب الملقى على عاتق كل إنسان يحمل عقيدة الكتاب والسنة أن يتحمل مسؤوليته من أجل خدمة نفسه وأسرته ومجتمعه في هذه الحياة. لان العقيدة الإسلامية هي المحرك الأساسي لعقل الإنسان، والموجه الحقيقي الذي يقوم أفكاره، وينظم سلوكه وعلاقاته بالآخرين. كما ولا يمكنه الاستغناء عنها في أي أمرٍ من أمور حياته.
فيجب على أفراد مجتمعنا المسلم أن يجعلوا من هذه العقيدة هي المنظم الأساسي لحياتهم وصمام الأمان الذي يضبط لهم كل سلوكهم وتصرفاتهم وعاداتهم وعلاقاتهم. لكي يكونوا أفراد جماعة منظمة وأعضاء مجتمع فاعلين، ملتزمين بقوانينها مجتهدين في ضوئها وعاملين بمقتضاها. فبذلك يكونون مؤهلين لحمل صفة الانتماء إلى مجتمعهم وأمتهم الإسلامية، والتحلي بصفاته الطيبة.
إن تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع هذا المجتمع وفق أسلوب عقائدي إسلامي جديد من أهم العوامل التي قادت إلى نجاح هذا المجتمع وتكوين بنيته الرصينة. فانه عمل جاهداً على بناء مجتمع يتسع لكل الناس ويستوعب جميع طوائف البشر بغض النظر عن الدين والعرق واللون والطائفة أو القبيلة.
فإنه بحكمته الحقة الرصينة وشخصيته الفذة وعقله النير وعقيدتهِ السليمة السمحاء استطاع أن يرسخ الصفات الحميدة ويعززها في هذا المجتمع وينبذ ويطرح منه كل ما هو سيء ودخيل من أفكار وعقائد الجاهلية البالية المبنية على جملة من الخرافات والأساطير.
أنواع التمرد:
أولًا: التمرد ضد السلطة (الخروج على ولي الأمر):
أو ما يسمى في عصرنا الحاضر بالتمرد السياسي. وهو أخطر أنواع التمرد وأشدها ضرراً على المجتمع لما يجر عليه من ويلات ودمار يعجز اللسان عن وصفه. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة ولي الأمر والانصياع لأوامره.
قال تعالى: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ﴾، قال أبي: هم السلاطين. فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرعية، وأوصى الرعية بالطاعة.
وفي فتح القدير: وأولي الأمر: هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني).
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - أنَّ رَسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عليكُمْ أُمَرَاءُ، فَتعرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقد بَرِئ، وَمَن أَنْكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضي وتَابَعَ)، قالوا: أفَلا نُقَاتِلُهمْ ؟ قال: (لا، مَا صَلُّوا).
أي: مَنْ كَرِهَ بِقَلْبه، وأنكر بقلبه، كذا عند مسلم.
وفي حديث أبي داود: (سَيَكُونُ عليكم أئمَّةٌ تَعرِفُونَ منهم وتُنكِرون... الحديث) وأخرجه الترمذي أيضًا.
(مسلم وأبو داود والترمذي والإمام أحمد والبيهقي).
قال ابن علان في شرح رياض الصالحين:
(قالوا: يا رسول الله إلا نقاتلهم) أي: حينئذٍ (قال لا) أي: لا تقاتلوهم (ما أقاموا فيكم الصلاة) وإنما منع من مقاتلتهم مدة إقامتهم الصلاة التي هي عنوان الإسلام، والفارق بين الكفر والإسلام حذراً من تهيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكارة من احتمال نكرهم والمضارة على ما ينكرمنهم. انتهى.
وقال ملا علي القاري:
قالوا أفلا نقاتلهم أي حينئذ قال لا أي لا تقاتلوهم ما صلوا إلا ما صلوا تأكيدا وإنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عنوان الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك. انتهى.
وقال الشيخ عطية بن محمد سالم:
أنه لا يحق لأحد من الأمة أن يخرج على ولي أمرها لمجرد ظهور معصية أو فسق منه، وليس بأعظم من كبيرة في العقيدة دعا إليها الداعي في أوائل الدولة العباسية، حينما قالوا: بخلق القرآن، وامتحنوا العلماء، وسفكت الدماء، وامتحن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، وثبت على ما أصابه فيها، وبقي على ما يعتقده السلف بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومع ذلك فأهل الخير والصلاح ما قاموا على أولئك أصحاب تلك الدعوة، ولا نقضوا عهدهم، ولكن صبروا وصابروا حتى كشف الله تلك الغمة.
إذاً: الطاعة لولاة الأمر واجبة، ما لم يأمروا بما يعارض الإسلام ويعطل أركانه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلهم السمع والطاعة وعدم الخروج عليهم، ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. انتهى.
يترتب على عصيان ولي الأمر والتمرد عليه أضرار عظيمة، أهمها:
1- التمرد على ولي الأمر يعد معصية لله جل وعلا ومخالفة لأمره سبحانه وتعالى بالطاعة لولي الأمر في غير معصية.
2- التمرد على ولي الأمر فيه تمزيق لوحدة الأمة وتهديد لأمنها واقتصادها. وضياع وحدة الكلمة.
3- التمرد يفتح الباب واسعاً أمام الجواسيس والعملاء من التغلغل والقيام بأعمال التخريب والتدمير والإرجاف والتضليل وسرقة المعلومات ونقلها للأعداء. بسبب تعطيل المؤسسات الأمنية والاستخبارية.
4- التمرد على ولي الأمر يعكر الأمن والاستقرار ويسبب الخوف والقلق لأفراد المجتمع.
5- التمرد على ولي الأمر يفتح الباب واسعا لشتى الجرائم. من انتهاك للحرمات والاعتداء على أرواح الناس وعلى أعراضهم وسرقة أموالهم.
6- التمرد يؤدي إلى غياب سلطة القضاء. وان وجدت فستكون ضعيفة وهزيلة. وفاقدة لمصداقيتها. وغير مستقلة. وغير قادرة على تنفيذ القرارات.
7- التمرد يؤدي إلى ضياع الرقابة العامة وانتشار الفوضى من تضليل وترويج المنكرات على مختلف صنوفها وانتشار التزوير في شتى مفاصل الدولة مما يؤدي إلى تدميرها بالكامل.
8- التمرد يؤدي إلى ضياع الأموال العامة وتخريب مؤسسات الدولة بسبب أعمال السلب والنهب من قبل اللصوص وضعاف النفوس.
9- التمرد يودي إلى تفرق الأمة إلى أحزاب وطوائف متناحرة، ويؤدي بالنتيجة إلى العنف والاقتتال من أجل نيل السلطة والجاه. ونتيجتها دمار وتمزيق المجتمع وتشتيت أبناءه.
ثانياً: التمرد الديني:
هو الخروج على ثوابت الدين العقدية والحدود والأحكام الشرعية، وإهمال محكم التنزيل وإتباع مناهج العقل والتأويل بغير هدى ولا تمسك بالدليل. حجتهم في ذلك هو تحصيل الحقيقة وتفسير النصوص الخفية والدقيقة. وسلكوا في بحثهم مسالك غريبة واتبعوا في الوصول إلى أهدافهم مناهج مريبة مستمدة في أغلب أحوالها من عقائد وأفكار أصحاب المناهج الفلسفية الذين أتعبتهم طرقهم ومسالكهم وأفكارهم عن تحصيل الحقيقة. وأنى لهم ذلك.
ومن أشهر هذه الفرق هم الخوارج، والجهمية، والمعطلة، والمعتزلة. وهذه الفرق تركت محكم التنزيل وآثرت السير خلف منهاج التأويل المنحرف عن ضوابط الأثر والدليل. واختاروا منهاج العقل ورجحوه على صريح النقل وتكلفوا في التحليل والتفصيل إلى ما لا يحتاج إليه البشر وليس فيه كبير نفع أو فائدة. وكل غاياتهم من وراء سلوك هذه المسالك وتبني هذه الأفكار هو تحقيق أهداف أعداء هذا الدين من الشعوبيين واليهود الذين يكنون كرهاً فضيعاً لهذا الدين ولحملة مشاعل عقيدته عقيدة التوحيد المبنية على صريح الكتاب والسنة النبوية التي نقلها وحفظها لنا الجهابذة من العلماء، الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل جمعها وحفظها وتدوينها وفق منهج رائع وفريد تفخر به الأمة على بقية أمم الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ثالثاً: التمرد الاجتماعي:
إن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي ورثناها عن أسلافنا وهي تراث لنا نعتز به وهوية نتميز بها، مثل باقي الأمم العريقة التي تعتز بتراثها وتعتبره ثروة قومية لها ولن تسمح بأن يمس جنابه لأنه عندهم من القدسية بمكان وفي أعلى درجات الرفعة والاعتزاز. كما وانه مظهر من مظاهر الفخر والمباهاة لكل أمة تحترم تراثها وأصالتها، ولا يمكن أن تفرط فيه مهما كانت الأسباب، ومهما أثرت التغيرات والتطورات العلمية والتكنولوجية المعاصرة سلباً كان هذا التغيير أم إيجاباً.
وأنواعه كثيرة ومن الصعوبة إحصائها ومنها التمرد على الوسط الاجتماعي.
من أجل التمّيُز وصرف أنظار الناس نحو ما جاء به ذلك الشخص من عادة أو سلوك جديد حمله معه من الغرب عند سفره أو ذهابه للدراسة هناك. وقد تعلمه بطريقة عفوية أو عن طريق التعليم المبرمج المدروس والمقصود. مثل طريقة الكلام. أو التغيير من طريقة الملبس المعتادة. أو طريقة الأكل بأساليب وأدوات لم يعتادها الناس الذين يعيش معهم ويحتك بهم بحجة ما يسمى ثقافة أو تطور كما يزعم من يأتي بها. أو أن يجعل لطريقة حياته سلوكيات تتنافى وعادات مجتمعه ويقصد من خلالها التميز والترفع على غيره. أو يحاول ان يغير من أساليب العلاقات الاجتماعية مثل احترام الأشخاص المتميزين والقيام لهم والسلام عليهم وتقديمهم في الدخول والخروج والكلام. أو أكرام الضيف أو مساعدة المحتاج أو احترام علاقة الجوار و التزاور بين الجيران وعيادة المرضى أو إتباع الجنائز. إلى غير ذلك مما يطول تعداده. محاولا التقليل من أهمية هذه العادات والسلوكيات وانتقاصها والاستخفاف بها. بحجة المساواة والتطور العلمي الحديث إلى غير ذلك من الحجج الواهية التي لا يقوم معها دليل عقلي أو نقلي. ولا يعضدها عرف أو سلوك اجتماعي معروف.
فعلى العلماء والمثقفين والمصلحين أن يقوموا بدورهم ويتحملوا مسؤوليتهم اتجاه هؤلاء الأشخاص المتمردين على واقعهم الاجتماعي والذين يدعون لأفكارهم التي انتحلوها وطريقتهم التي ابتدعوها لأنهم يتمردون على تراث أمتهم الأصيل الذي هو نتاج أقوام سعوا إلى تنقيته وتهذيبه وفق ما يناسب ثوابت مجتمعنا وعقائد ديننا التي بنيت على أفضل الأسس وأُرسيت لها قواعد عظيمة فمن تلاعب بها فقد خرب الأساس وهدم البنيان .
كما ويجب على ذلك المتمرد أن يعرف إن أخلاقنا وضميرنا وديننا وعاداتنا التي بنيت عبر حقب زمنية موغلة في القدم إنما تعبر عن ضميرنا وضمير من رسمها لنا آخذاً بنظر الاعتبار الجانب الديني وما له من تأثير في نفوس الناس وطبيعة البلدان والأقاليم التي نعيش فيها، مع الأخذ بنظر الاعتبار تنوعها السكاني والجغرافي وما له من تأثير على المجتمع وتأثير المجتمع عليه عبر الحقب التاريخية، وعلاقاتنا مع الأمم الأخرى وما خلقه ذلك التفاعل معها عبر التاريخ. مما صنع لنا هوية اجتماعية وبنية نفسية نتميز بها وسلوكيات ومسارات وعادات نعتز بها، وهذا الاعتزاز ليس عصبية عمياء ولا ثورة هوجاء إنما أفرزتة تجربة أمة أثبتت نجاحها من خلال تفاعلها مع متغيرات الزمن ومن خلال النظرة الثاقبة لمن عاش الأحداث ودرس الوقائع ومحص المعلومات وَنَظّرَ لحياة المجتمع وسلوكياته واختار له الأجدى والأصلح.
وعندما بعث الله سبحانه وتعالى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين هذب ورسخ هذه القيم النبيلة في النفوس وفق ما نصت أصول الدين به من كتاب وسنة. وبناء على ذلك فعندما زرعت في نفوس وأجساد مجتمعنا أزهرت وأثمرت واستمرت على نتاجها وحافظت على نظارتها وما هرمت وما ماتت بل ازدادت وتوالدت عبر القرون . فمن أراد أن يهذب ويطور بما له مردود حضاري نافع فعال متوازن وفق ضوابط المجتمع الأصيلة لا يخدش ولا يسيء لهذا التراث العظيم ويعود بالنفع على أمتنا والأمم الأخرى فلا بأس بذلك. وأما من أراد أن يغير ويبدل على غير هدى وما يأتي به لا يعود إلا بالضرر علينا وعلى غيرنا فعليه ان يحمل معوله ويذهب بعيداً عن أمتنا وتراثنا الخالد وموروثنا الاجتماعي الأصيل. لأن فهمه للحرية الفكرية قاصر، وان فعله مخالف لإطار وطريقة التغيير المبنية على أسس وقواعد منظمة وبإشراف علماء ومتخصصين في هذا المجال، وتطويره ضار للأمة أفراداً وجماعات لأنه يتعارض مع روح الأفكار والعقائد التي نتبناها وتنظبط من خلالها تصرفاتنا وسلوكنا.
قال الدكتور فهد بن عبد العزيز بن عبد الله السنيدي في (حوار الحضارات):
الأصل في الحرية الاجتماعية قوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ [المائدة: 2].
فكل فعل اجتماعي لا يتعارض مع الشريعة فهو حق من حقوق الإنسان، ويدخل في ذلك السلوك الاجتماعي في طبيعة حفلات الأعراس، واللباس والأكل والشرب، وطرق بناء المنازل والأسواق وغيرها.
لكن الأمر الأهم في الحرية الاجتماعية أنها في الإسلام تقوم على حفظ كيان المجتمع، وتقديم مصلحة الفرد، وتؤصل لمبدأ الأخلاق والقيم، والمحافظة على وحدة بناء الأسرة الصغيرة، والمجتمع الكبير الذي يعيش فيه الإنسان، خلافاً للحرية المزعومة في الفلسفات الوضعية والتي أعطت الفرد مساحة كبيرة يتحرك فيها دون قيود ولا ضوابط، ودون احترام للآخرين أو المجتمع، فهو بداعي الحرية الاجتماعية يمارس كل أمر يراه مناسباً في بيته أمام الناس، ولا يمتنع عن الوقوع في مساوئ الأخلاق بدعوى الحرية الاجتماعية، وهذا هو المزلق الخطير الذي جعل أغلب بلدان الغرب تعيش تفككاً هائلاً ومستوى متدنياً من الأخلاق الاجتماعية بسبب فشو ما يسمونه (الحرية الاجتماعية) ثم إن المسؤولية الاجتماعية التي تحدد ضوابط الحرية الاجتماعية ليست للأفراد فحسب بل هي لوسائل الإعلام التي يجب عليها أن تضبط مفهوم الحرية الاجتماعية، فضلاً عن الأنظمة والقوانين التي تصدرها الدول لحفظ الأخلاق والممارسات العامة. أهـ.
وهذا الذي مر ذكره نستطيع أن نعبر عنه بأنه باب مفتوح لممارسة التمرد بكل أنواعه وصنوفه تحت عنوان (الحرية الاجتماعية).
رابعًا: التمرد الأسري:
من المعروف أن الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، وأن العلاقة الزوجية مبنية على أساس الحقوق والواجبات من أجل حماية بنيان الأسرة من التهدم وحماية أفرادها من التشتت والضياع، فالأب والأم يتحملان المسؤولية كاملةً في الحفاظ على مقوماتها الأساسية ديمومتها وتفاعلها الايجابي مع التطورات والمتغيرات التي تحدث في المجتمع الذي تعيش فيه.
فواجب الرجل القوامة والحماية وتوفير لقمة العيش، وبالمقابل على الزوجة تدبير شؤون المنزل وتربية الأولاد.
ومن ثم جاء الإسلام فأكد على هذا المبدأ وهذبه ووضع له القواعد الشرعية التي تسيره وفق نظام دقيق، من أجل الحفاظ على نظام الأسرة وسلامتها من التفكك والانحلال.
وفي مطلع القرن العشرين علت أصوات تنفر منها الأسماع وتشمئز منها النفوس تنادي بحرية المرأة وبدعوى نفض غبار التخلف والجهل عنها والتحرر من التقاليد والعادات البالية، إلى غير ذلك من الشعارات البراقة والمقالات الرنانة، التي تنادي من أجل تحررها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات.
وقد وجهوا للإسلام الكثير التهم وافتروا عليه وعلى العلماء الأجلاء شتى الافتراءات ونعتوه بنعوت غريبة عنه وعن أهله ووصفوه بما هو ليس أهله.
كل ذلك من أجل تمرير مخططاتهم الخبيثة وأفكارهم المريضة من أجل تشجيع المرأة بالتمرد على الواقع الاجتماعي الذي تعيش في ظله، وتشجيعها على تغيير عاداته وتقاليده وأعرافه المبنية على أسس شريعة وأخلاقية متينة، باعتبارها قيود رقابية يجب ترفع عنها وتنال حريتها بالتخلص منها.
وما هذه الدعوات إلا مخططات خبيثة من أجل توجيه المرأة نحو التفسخ والانحلال واستعمالها كمعول هدم وتدمير لبنية الأسرة التي هي النواة الأساسية لتكوين المجتمع، وبالتالي تفكك الروابط الاجتماعية الأصيلة التي تقود في نتيجتها إلى ضعف الأمة الإسلامية وانهيارها ووقوعها فريسة سهلة للأعداء.
فيجب علينا جميعاً أن نقف صفاً واحداً بوجه هذه المؤامرات التي تحرض المرأة من أجل التمرد على واقعها الاجتماعي، وتوعيتها بمخاطر هذه التيارات الدخيلة على أمتنا، وتعليم المرأة وتعريفها بواجباتها التي أنيطت بها وحقوقها التي فرضت لها وفق ما ورد في الكتاب والسنة.
كما ويجب توعية المرأة في المجتمع الإسلامي وتحذيرها من مخاطر الجمعيات والمنتديات الثقافية النسوية التي تحمل في طياتها تشجيع المرأة بالتمرد على الطابع الاجتماعي والأخلاقي. كما ويجب على المتخصصين بالشأن الاجتماعي والثقافي متابعة هذا الباب والتنبيه عن أي خرق يحدث فيه ومحاولة أصلاحه بأفضل الوسائل وأحسن الطرق المتاحة. ومن خلال وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية.
الذكر والعبادة والدعوة إلى الله هي علاج الداء:
إن المداومة على الأذكار وتلاوة القرآن وصلاة الجماعة والدعوة إلى الله وفق منهج أهل التوحيد الذي هو كتاب الله جل جلاله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي السلاح النافع والعلاج الناجع لهذا الداء الخطير والمرض المتفشي في صفوف مجتمعاتنا، فالدعوة إلى الإسلام هي نهي عن ضده أي زجر عن الكفر وتقبيح للإلحاد وتسفيه للشرك وتنفير من ملابسة عورة التمرد على الخالق جل جلاله. والخروج على ثوابت هذا الدين العظيم.
وأهم الأمور التي يجب على المسلم تطبيقها والتزامها:
1- التمسك بالكتاب والسنة والمداومة على تلاوة القرآن.
2- المحافظة على صلاة الجمعة وحضور الجماعات.
3- حضور مجالس أهل العلم وملازمة العلماء.
4- استحضار سير العظماء في أمتنا عبر التاريخ. والتعريف ببطولاتهم والأمجاد التي حققوها عبر التاريخ.
5- الابتعاد عن أصدقاء السوء. وعدم مجالستهم في المقاهي. التي تقدم النارجيلة والعاب الورق والشطرنج والطاولة وغيرها. والمطاعم التي تقدم الخمور. مما ينجم عنه سوء تصرف أو التلفظ ببذيء الكلام.
6- عدم ارتياد أماكن الاختلاط مثل الأندية والمسابح والأماكن السياحية والأماكن التي يحتمل أن يحدث بها الفجور.
7- عدم التأثر بشخصيات ومفكري الغرب وبالأفكار الفلسفية المنحرفة والكتابات الفكرية التي يتبنونها. والتي تتعارض مع عقائدنا. مثل كتب دارون وفرويد وكارل ماركس وإنجلز وسارتر وأدلر وغيرهم. لأنها تحمل في طياتها كل ما يدعو إلى التفسخ والانحلال والتمرد على الضوابط الاجتماعية وعلى كل ما يدعو إلى الأخلاق. كما وتدعو إلى التمرد على كل فكر واعتقاد ديني. وإلغاء كل ما يتصل بالاعتقاد بالله وانه رب هذا الكون وخالقه، وإلغاء فكرة وجوده وفكرة الألوهية بالكلية.
8- الابتعاد عن متابعة الفضائيات العربية والغربية والتي تعرض كل ما يدعو إلى الرذيلة والانحلال والفتن والمجون.
• • •
الخاتمة
قال ابن القيم في عدة الصابرين محذراً من التمرد والوعيد عليه:
لا يلقى وصاياه إلا الصابرون ولا يفوز بعطاياه إلا الشاكرون ولا يهلك عليه إلا الها لكون ولا يشقى بعذابه إلا المتمردون إن ربنا لغفور شكور
فإياك أيها المتمرد أن يأخذك على غرة فإنه غيور وإذا أقمت على معصيته وهو يمدك بنعمته فاحذره فإنه لم يهملك لكنه صبور، وبشراك أيها التائب بمغفرته ورحمته أنه غفور شكور.
أقول قولي هذا وأستغفر الله سبحانه وتعالى وأتوب إليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هل الأسلوب هو البديل ************************************************ لا يمكن للأسلوب ومفاهيمه أن يكون بديلاً للبلاغة . كل علم من علوم الل...